Translate

2014-04-19

الدرس السابع عشر من سلسلة دروس العقيدة الإسلامية .

بسم الله الرحمن الرحيم :

الدرس السابع عشر من سلسلة دروس العقيدة الإسلامية .

درس اليوم : زيادة الإيمان ونقصانه .

الحمد لله تعالى الذي بنعمته تتم الصالحات ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه وسلم .

أما بعد :

إن من عقيدة السلف الصالح - أهل السنة والجماعة - التي أجمعوا عليها : أن الإيمان يزيد وينقص، وأهله يتفاضلون فيه.

فقد وردت أدلة كثيرة من الآيات و الأحاديث ، و من أئمة السلف على أن الإيمان درجات و شعب ، يزيد و ينقص .
الإيمان يزيد: بأعمال القلب والجوارح وبقول اللسان؛ كالطاعات والعبادات ؛ من التصديق والمعرفة والعلم، وذكر الله تعالى، والحب والبغض في الله، والخوف والرجاء من الله، والتوكل على الله .. الخ ، والقيام بجميع شعائر الدين من الأعمال الصالحة.

الإيمان ينقص : بأعمال القلب والجوارح وبقول اللسان ؛ كفعل المعاصي و المنكرات ،  و ارتكاب الذنوب  و الكبائر ، و الأقوال والأفعال الرديئة ، و بغفلة القلب و نسيان ذكر الله تعالى ،  و بالحسد ، و الكبر، و العجب ، والرياء و السمعة ، و الجهل ، والإعراض ،  و التعلق بالدنيا ، و قرناء السوء ، و جميع الأعمال الطالحة.
و أن أهل الإيمان يتفاضلون في إيمانهم على حسب علمهم وعملهم ؛ فبعضهم أكمل إيمانا من بعض.
قال الله تعالى:

- { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا }.

وقال :{ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }.

وقال :{ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }.
وقال :{ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ }.
وقال :{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }.
وقال :{ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى }.
وقال تعالى :{ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
وقال تعالى :{ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}.

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (من أحب لله، و أبغض لله، و أعطى لله، و منع لله؛ فقد استكمل الإيمان).

وقال : (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا).
  
وقال : (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان) .

وقال : (يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن ذرة من خير).

ووجه الدلالة في هذه الآيات والأحاديث واضح وبين في أن الإيمان يزيد، وما جاز عليه الزيادة جاز عليه النقصان.
ومن الأدلة على نقصان الإيمان، قول الله تعالى في المنافقين:
{ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ }.

وقوله تعالى :{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.

وقوله :[فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ].

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : (... و ذلك أضعف الإيمان).
وبناءً على زيادته ونقصانه يتكامل المؤمنون في إيمانهم ، و يتفاضلون بقدر طاعتهم لله و موافقتهم لشرعه قال تعالى :
 [   لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خبير] .


أسباب زيادة الإيمان :

إن الله - تبارك وتعالى - جعل للإيمان موارد كثيرة تعززه وتقويه، وأسباباً عديدة تزيده وتنميه؛ إذا فعلها قوي يقينه وزاد إيمانه، وارتفع درجاته في الدنيا والآخرة، والإيمان سبب لكل خير عاجل وآجل.
ومن أهم أسباب زيادة الإيمان التي وردت في الكتاب والسنة:

1- طلب العلم النافع المستمد من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والعمل به؛ فمن وفق فيهما، فقد وفق لأعظم أسباب زيادة الإيمان.

2- معرفة أسماء الله الحسنى؛ الواردة في الكتاب والسنة، والحرص على فهم معانيها، والتعبد بها.

3- قراءة القرآن وتدبره: فهو من أنفع دواعي زيادة الإيمان؛ فالذي يقرأه بتدبر وتأمل؛ يجد فيه من العلوم والمعارف ما يقوي به إيمانه، ويزيده وينميه، ولا تكون هذه الزيادة إلا مع فهم القرآن و تطبيقه ، و العمل به.

4 - تأمل سيرة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم ومعرفة ما هو عليه من الأخلاق العالية، والأوصاف الكاملة، والخصال الكريمة، والشمائل الحميدة؛ لأن من درس وتأمل سيرته صلى الله عليه وسلم وصفاته؛ فقد استكثر لنفسه من الخير، وازداد حبه ويقينه للنبي صلى الله عليه وسلم وأورثه هذه المحبة متابعته، والعمل بسنته صلى الله عليه وسلم .

5- تأمل محاسن الإسلام؛ لأن الدين الإسلامي كله محاسن؛ فعقائده أصح وأنفع وأصدق العقائد من بين عقائد الأديان والملل، وأحكامه أحسن الأحكام وأعدلها للعباد، وأخلاقه أجمل الأخلاق وأكملها إطلاقاً؛ فالمتأمل في هذه كلها يزين الله الإيمان في قلبه ويحببه إليه، فيجد حلاوته؛ فيزداد إيماناً.

6- تأمل آيات الله ومخلوقاته؛ فالمتأمل في عظمة خلق السموات والأرض وما فيهن من المخلوقات المتنوعة والعجيبة، وفي نفس الإنسان وما هو عليه من الصفات؛ فإن ذلك من الأسباب القوية لزيادة الإيمان وترسيخه في القلب.

7- الإكثار من ذكر الله تعالى، والدعاء؛ لأنه من أهم أسباب صلة العبد بربه جل وعلا، فهو يغرس شجرة الإيمان في القلب ويغذيه ويقويه.

8- الإكثار من النوافل بعد الفرائض؛ لأنها تقرب العبد إلى ربه عز وجل، والاجتهاد في الإحسان، والإتقان في جميع العبادات.
9- الاتصاف بصفات المؤمنين الصادقين وأولياء الله الصالحين، واتباع آثارهم، والأخذ بهديهم، ومجالستهم؛ لأن ذلك يذكر العبد بربه تعالى، ويرقق قلبه، ويزيده إيماناً.

10- الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والصبر.

11- البعد عن شعب الكفر، وكبائر الذنوب، والنفاق، والفسوق، والعصيان؛ لأن هذه المعاصي سبب ضعف الإيمان في القلب، والبعد عنها سبب لزيادته وقوته.
إلى غير ذلك من الأسباب.
واعلم - أخي المسلم - علمنا الله تعالى وإياك طريق النجاة:
أن من أهم أسباب نقصان الإيمان في قلب العبد هو عدم تعاهد أسباب زيادة الإيمان، وإهمال تقويته، وترك العناية به؛ فكما أن المحافظة على هذه الأسباب سبب في زيادة الإيمان فإهمالها سبب في نقصه.

ومن أهم أسباب نقص الإيمان: 

* الجهل بأمور الدين، وعلوم الشرع.

* الغفلة، والإعراض، والنسيان.

* فعل المعاصي، وارتكاب الذنوب.

* طاعة النفس الأمارة بالسوء.

* الركون إلى الدنيا، وفتنتها، وزينتها.

* مجالس اللهو، وقرناء السوء.

* اتباع خطوات الشيطان.

إلى غير ذلك من الأسباب.


مراتب الإيمان:

علمنا مما سبق أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل؛ يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، وأهله متفاوتون فيه على حسب علمهم وعملهم.
فالإيمان يزيد بالطاعات والأعمال الصالحة إلى ما شاء الله تعالى؛ حتى يوصل صاحبه درجة الصديقين، ويرفعه إلى الدرجات العليين، وهذه المرتبة تسمى (حقيقة الإيمان).

وكذلك ينقص الإيمان بالمعاصي؛ حتى لا يبقى منه شيء ينفع صاحبه عند الله - سبحانه وتعالى - يوم الحساب. 

إذن فللإيمان حد أدنى من أخل به ذهب إيمانه ، و لن ينجو صاحبه من الخلود في النار! والعياذ بالله.

وهذه المرتبة تسمى الإسلام فإن الإيمان - عند أهل السنة والجماعة - مراتب ودرجات ومنازل، والمؤمنون فيه على طبقات متفاوتون في مراتب إيمانهم؛ فمنهم من معه أصل الإيمان، ومنهم من عمل بحقائقه واستكمل الإيمان، وبلغ درجات الكمال الواجب، أو المستحب؛ فهؤلاء معهم (حقيقة الإيمان).
فمراتب الإيمان - عند أهل السنة والجماعة - كالآتي:

المرتبة الأولى: (أصل الإيمان):

ويسمى أيضاً (الإيمان المجمل) أو (مطلق الإيمان).
وهذه المرتبة من الإيمان غير قابلة للنقصان؛ لأنها حد الإسلام، والفاصل بين الإيمان والكفر، وهذا النوع واجب على كل من دخل دائرة الإيمان، وشرط في صحته، وبه تثبت الأحكام الشرعية؛ لأن اسم الإيمان وحكمه يشمل كل من دخل فيه، وإن لم يستكمله، ولكن معه الحد الأدنى منه، هو ما يصح به إسلامه، ومرتكب الكبائر داخل في هذا المعنى، والمنفي عنه ليس اسم الإيمان والدخول فيه، وإنما المنفي هو حقيقته وكماله الواجب؛ فهو لا يسلب مطلق الإيمان، أي أصله، ولا يعطى الإيمان المطلق التام.
وهذا الإيمان يتحقق بالتصديق والانقياد المجمل، وتوحيد الله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، واستحقاقه - سبحانه - وحده للعبادة، واتباع أوامره ونواهيه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم .
وهذه المرتبة لا يشترط فيه وجود العلم التام بالإيمان.
فإذا عمل بهذا كله؛ فقد حقق أصل الإيمان الذي ينجو به من الكفر، ومن الخلود في النار، ومصيره يكون إلى الجنة؛ إن مات عليه، وإن قصر في بعض الواجبات، أو اقترف بعض المحرمات.
وصاحب هذه المرتبة يدخل في دائرة الإسلام، أو الإيمان المقيد، وكذلك يدخل فيه من أسلم من أهل الطاعة ممن لم تدخل حقائق الإيمان في قلوبهم، ويدخل فيه - أيضاً - أهل الكبائر عموماً، ويسمى صاحبه: مؤمنا ناقص الإيمان، أو فاسقاً، أو عاصياً .. إلخ.

المرتبة الثانية (الإيمان الواجب):

ويسمى أيضاً (الإيمان المفصل) أو (الإيمان المطلق) أو (حقيقة الإيمان).
وهذه المرتبة تكون بعد مرتبة (أصل الإيمان) ويكون صاحبها ممن يؤدي الواجبات ويتجنب الكبائر والمنكرات، ويلتزم بكل تفصيلات الشريعة؛ تصديقاً والتزاماً وعملاً، ظاهراً وباطناً؛ حسب استطاعته، وبقدر ما يزيد علمه وعمله يزداد إيمانه، وإذا ارتكب بعض الصغائر؛ يكفر عنه حسناته واجتنابه للكبائر، ولكن المتورع عن الصغائر أكمل إيماناً ممن يقع فيها.
وصاحب هذه المرتبة ؛ موعود بالجنة بلا عذاب ؛ وينجو من الدخول في النار؛ إن مات على ذلك، ويدخل في عداد المؤمنين الأبرار الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم:
{ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }.
وقال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } .
المرتبة الثالثة : الإيمان المستحب .

ويسمى أيضاً : الإيمان الكامل بالمستحبات.

وهذه المرتبة تكون بعد مرتبة (الإيمان الواجب) وهي مرتبة (الإحسان) وصاحبها لا يكتفي بعمل الواجبات وترك المنكرات؛ بل يضيف إلى ذلك فعل المستحبات، واجتناب المكروهات والمشتبهات؛ بقدر ما ييسر الله تعالى له ذلك.
ويتفاوت أصحاب هذه المراتب، بقدر تفاوتهم بالعلم والعمل، ويقابل ذلك تفاوتهم في درجات العلى من جنة الخلد.
قال الله - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز عن هذه المراتب:
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.

السابق بالخيرات:

هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه، وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات، والمتورع عن المكروهات، والمجتنب للمحظورات والمشتبهات، وهو صاحب (الإيمان الكامل المستحب).

المقتصد:
المكتفي بفعل الواجبات، واجتناب المحظورات، وإن لم يحافظ على المسنونات، ولا تورع عن المكروهات، وهو صاحب (الإيمان الواجب).

الظالم لنفسه:

هو المفرط في بعض الواجبات، والمرتكب لبعض المحرمات والمعاصي التي لا تصل إلى الكفر، أو الشرك الأكبر ، و هو صاحب (الإيمان المجمل).
قال الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :
السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله ،  و الظالم لنفسه  و أصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم  .

و إلى لقاء جديد مع دروس في العقيدة الاسلامية ، أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص فيما نقول و نفعل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق