Translate

2014-06-22

الدرس السادس عشر من سلسلة الدروس العلمية في مادة علوم القرآن .

                                                              بسم الله الرحمن الرحيم :

          سلسلة الدروس العلمية في مادة علوم القرآن .

الموضوع : نزول القرآن على سبعة أحرف

مدخل:

لقد كان للعرب لهجات شتى تنبع من طبيعة فطرتهم في جرسها وأصواتها وحروفها تعرضت لها كتب الأدب بالبيان والمقارنة، فكل قبيلة لها من اللحن في كثير من الكلمات ما ليس للآخرين، إلا أن قريشًا من بين العرب قد تهيأت لها عوامل جعلت للغتها الصدارة بين فروع العربية الأخرى من جوار البيت وسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام والإشراف على التجارة، فأنزلها العرب جميعًا لهذه الخصائص وغيرها منزلة الأب للغاتهم، فكان طبيعيًّا أن يتنزل القرآن بلغة قريش على الرسول القرشي تأليفًا للعرب وتحقيقًا لإعجاز القرآن حين يسقط في أيديهم أن يأتوا بمثله أو بسورة منه.
وإذا كان العرب تتفاوت لهجاتهم في المعنى الواحد بوجه من وجوه التفاوت فالقرآن الذي أوحى الله به لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- يكمل له معنى الإعجاز إذا كان مستجمعًا بحروفه وأوجه قراءته للخالص منها، وذلك مما ييسر عليهم القراءة والحفظ والفهم.
ونصوص السٌّنَّة قد تواترت بأحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف، ومن ذلك:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف" متفق عليه .
وعن أُبَيِّ بن كعب: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عند أضاة[ الغدير ] بني غفار، قال: فأتاه جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أمتك القرآن على حرف. فقال: "أسال الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك" ، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أمتك القرآن على حرفين - فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك" ، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته ، وإن أمتي لا تطيق ذلك" ، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تُقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا" رواه مسلم ..
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يُقرئنيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلَّم، ثم لببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت له: كذبت، فوالله إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها، فانطلقت أقوده إلى رسول الله، فقلت: يا رسول الله. إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تُقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان, فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "أ َرْسِله يا عمر, اقرأ يا هشام" , فقرأ هذه القراءة التي سمعته يقرؤها، فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "هكذا أُنْزِلت" ، ثم قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "اقرأ يا عمر" ، فقرأت القراءة التي أقرأني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "هكذا أُنْزِلت" ، ثم قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن أُنْزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسَّر منها" ، متفق عليه .
والأحاديث في ذلك مستفيضة استقرأ معظمها ابن جرير في مقدمة تفسيره، وذكر السيوطي أنها رويت عن واحد وعشرين صحابيًّا، وقد نصَّ أبو عبيد القاسم بن سلام على تواتر حديث نزول القرآن على سبعة أحرف .
واختلف العلماء في تفسير هذه الأحرف اختلافًا كثيرًا. حتى قال ابن حبان: اختلاف العلماء في المراد بها الترجيح بينها
...
"اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولًا"[ أوصلها السيوطي إلى أربعين قولا ] وأكثر هذه الآراء متداخل، ونحن نورد هنا ما هو ذو بال منها:
أ- ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد، على معنى أنه حيث تختلف لغات العرب في التعبير عن معنًى من المعاني يأتي القرآن مُنَزَّلًا بألفاظ على قدر هذه اللغات لهذا المعنى الواحد، وحيث لا يكون هناك اختلاف فإنه يأتي بلفظ واحد أو أكثر.
واختلفوا في تحديد اللغات السبع.
فقيل: هي لغات: قريش، وهذيل، وثقيف، وهوازن، وكنانة، وتميم، واليمن.
وقال أبو حاتم السجستاني: نزل بلغة قريش، وهذيل، وتميم، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر.
ورُوِيَ غير ذلك.
ب- وقال قوم: إن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب نزل عليها القرآن، على معنى أنه في جملته لا يخرج في كلماته عن سبع لغات هي أفصح لغاتهم، فأكثره بلغة قريش، ومنه ما هو بلغة هذيل، أو ثقيف، أو هوازن، أو كنانة، أو تميم، أو اليمن، فهو يشتمل في مجموعه على اللغات السبع.
وهذا الرأي يختلف عن سابقه، لأنه يعني أن الأحرف السبعة إنما هي أحرف سبعة متفرقة في سور القرآن، لا أنها لغات مختلفة في كلمة واحدة باتفاق المعاني.
قال أبو عبيد: "ليس المراد أن كل كلمة تُقرأ على سبع لغات، بل اللغات السبع مفرَّقة فيه، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن، وغيرهم، قال: وبعض اللغات أسعد به من بعض وأكثر نصيبًا".
جـ- وذكر بعضهم أن المراد بالأحرف السبعة أوجه سبعة: من الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والجدل، والقصص، والمثل. أو من: الأمر، والنهي، والحلال، والحرام، والمُحْكم، والمتشابه، والأمثال.
عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد، وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب، على سبعة أحرف: زجر، وأمر، وحلال، وحرام، ومُحْكم، ومتشابه، وأمثال" .
د- وذهب جماعة إلى أن المراد بالأحرف السبعة، وجوه التغاير السبعة التي يقع فيها الاختلاف، وهي:
1- اختلاف الأسماء بالإفراد، والتذكير وفروعهما: "التثنية، والجمع, والتأنيث" كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} ، قرئ "لأماناتهم" بالجمع، وقرئ "لأمانتهم" بالإفراد.. ورسمها في الصحف "لأَمَنَتِهِمْ" يحتمل القراءتين، لخلوها من الألف الساكنة، ومآل الوجهين في المعنى الواحد، فيراد بالجمع الاستغراق الدال على الجنسية، ويراد بالإفراد الجنس الدال على معنى الكثرة، أي جنس الأمانة، وتحت هذا جزئيات كثيرة.
2- الاختلاف في وجوه الإعراب، كقوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} ، قرأ الجمهور بالنصب، على أن "ما" عاملة عمل "ليس" وهي لغة أهل الحجاز وبها نزل القرآن، وقرأ ابن مسعود: " مَا هَذَا بَشَرٌ " بالرفع، على لغة بني تميم، فإنهم لا يعملون "ما" عمل "ليس" و كقوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}  -"برفع "آدم" وجر "كلمات" "- وقُرِئ بنصب "آدم" ورفع "كلمات": "فَتَلَقَّى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ".
3- الاختلاف في التصريف: كقوله تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} ، قُرِئ بنصب "ربَّنا" على أنه منادى مضاف، و"بَاعِد" بصيغة الأمر، وقُرِئ "ربُّنا" بالرفع، و"باعَد" بفتح العين، على أنه فعل ماض، وقُرِئ "بعِّد" بفتح العين مشددة مع رفع "ربُّنا" أيضًا.
ومن ذلك ما يكون بتغيير حرف، مثل "يعلمون، وتعلمون" بالياء والتاء، و"الصراط" و"السراط" في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} .
4- الاختلاف بالتقديم والتأخير، إما في الحرف، كقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ}  وقُرِئ "أفلم يأيس" وإما في الكلمة كقوله تعالى: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} ، بالبناء للفاعل في الأول، وللمفعول في الثاني، وقُرِئ بالعكس، أي بالبناء للمفعول في الأول، وللفاعل في الثاني.
أما قراءة "وجاءت سكرة الحق بالموت" بدلًا من قوله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} ، فقراءة أحادية أو شاذة، لم تبلغ درجة التواتر.
5- الاختلاف بالإبدال: سواء أكان إبدال حرف بحرف. كقوله تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} ، قُرِئ بالزاي المعجمة مع ضم النون، وقُرِئ بالراء المهملة مع فتح النون، أو إبدال لفظ بلفظ، كقوله تعالى: {كَالْعِهْنِ المَنْفُوش} ، قرأ ابن مسعود وغيره "كالصوف المنفوش"، وقد يكون هذا الإبدال مع التقارب في المخارج كقوله تعالى: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} ، قُرِئ "طلع" ومخرج الحاء والعين واحد، فهما من حروف الحلق.
6- الاختلاف بالزيادة والنقص: فالزيادة كقوله تعالى: {وَأعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} ،  قُرِئ "من تحتها الأنهار" بزيادة "من" وهما قراءتان متواترتان، والنقصان كقوله تعالى: "قالوا اتخذ الله ولدًا" بدون واو، وقراءة الجمهور {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} ، وبالواو. وقد يمثل للزيادة في قراءة الآحاد، بقراءة ابن عباس: "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا" بزيادة "صالحة" وإبدال كلمة "أمام" بكلمة "وراء" وقراءة الجمهور: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}، كما يمثل للنقصان بقراءة "والذكر والأنثى" بدلًا من قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} .
7- اختلاف اللهجات بالتفخيم والترقيق، والفتح والإمالة، والإظهار والإدغام، والهمز والتسهيل، والإشمام ونحو ذلك، كالإمالة وعدمها في مثل قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} ، قُرِئ بإمالة "أتى" و"موسى" وترقيق الراء في قوله: {خَبِيرًا بَصِيرًا} ، وتفخيم اللام في "الطلاق" وتسهيل الهمزة في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ} ، وإشمام الغين ضمة مع الكسر في قوله تعالى: {وَغِيضَ الْمَاءُ} ، وهكذا.
هـ- وذهب بعضهم إلى أن العدد سبعة لا مفهوم له، وإنما هو رمز إلى ما أَلِفَه العرب من معنى الكمال في هذا العدد، فهو إشارة إلى القرآن في لغته وتركيبه كأنه حدود وأبواب لكلام العرب كله مع بلوغه الذروة في الكمال، فلفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة والكمال في الآحاد، كما يُطلق السبعون في العشرات، والسبعمائة في المائتين، ولا يُراد العدد المعيَّن.
و- وقال جماعة: إن المراد بالأحرف السبعة، القراءات السبع.
والراجح من هذه الآراء جميعًا هو الرأي الأول، وأن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد. نحو: أَقْبِل وتعال، وهلم، وعَجِّل، وأسرع، فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد، وإليه ذهب سفيان بن عيينة، وابن جرير، وابن وهب، وخلائق، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء ويدل له ما جاء في حديث أبي بكرة: "أن جبريل قال: يا محمد، اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده، فقال: على حرفين, حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال: كلها شاف كاف، ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة، أو آية رحمة بآية عذاب، كقولك: هلم وتعالى وأَقْبِل واذهب وأسرع وعَجِّل" ،  قال ابن عبد البر: "إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها، وأنها معان متفق مفهومها، مختلف مسوعها، لا يكون في شيء منها معنى وضده، ولا وجه يخالف معنى وجه خلافًا ينفيه ويضاده، كالرحمة التي هي خلاف العذاب".
ويؤيده أحاديث كثيرة:
"قرأ رجل عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فغيَّر عليه، فقال: لقد قرأت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يُغيِّر علي، قال: فاختصما عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، ألم تُقرئني آية كذا وكذا؟ قال: بلى ! قال: فوقع في صدر عمر شيء، فعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك في وجهه، قال: فضرب صدره وقال: "ابعد شيطانًا" -قالها ثلاثًا- ثم قال: "يا عمر، إن القرآن كله صواب ما لم تجعل رحمة عذابًا أو عذابًا رحمة" .
وعن بسر بن سعيد: "أن أبا جهيم الأنصاري أخبره: أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال هذا: تلقيتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال الآخر: تلقيتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنها، فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إن القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن المراء فيه كفر".
وعن الأعمش قال: "قرأ أنس هذه الآية: "إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأصوب قيلًا" ، فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة، إنما هي "وأقوم" فقال: أقوم وأصوب وأهيأ واحد" .
وعن محمد بن سيرين قال: نُبِّئت أن جبرائيل وميكائيل أتيا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له جبرائيل: اقرأ القرآن على حرفين، فقال له ميكائيل: استزده، قال: حتى بلغ سبعة أحرف، قال محمد: "لا تختلف في حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي هو كقولك: تعال، وهلم، وأقبل" ، قال: وفي قراءتنا: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} ، في قراءة ابن مسعود: "إن كانت إلا زقية واحدة".
ويُجاب عن الرأي الثاني "ب" الذي يرى أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب نزل عليها القرآن, على معنى أنه في جملته لا يخرج في كلماته عنها فهو يشتمل في مجموعه عليها - بأن لغات العرب أكثر من سبع، وبأن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشي من لغة واحدة، وقبيلة واحدة، وقد اختلفت قراءتهما. ومحال أن ينكر عليه عمر لغته، فدل ذلك على أن المراد بالأحرف السبعة غير ما يقصدونه، ولا يكون هذا إلا باختلاف الألفاظ في معنى واحد، وهو ما نرجحه.
قال ابن جرير الطبري بعد أن ساق الأدلة، مبطلًا هذا الرأي: "بل الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، هن لغات سبع في حرف واحد، وكلمة واحدة.
باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني, كقول القائل: هلم، وأَقْبِل، وتعال، وإليَّ، وقصدي، ونحوي، وقُرْبي، ونحو ذلك، مما تختلف فيه الألفاظ بضروب من المنطق وتتفق فيه المعاني، وإن اختلفت بالبيان به الألسن، كالذي روينا آنفًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمن روينا ذلك عنه من الصحابة، أن ذلك بمنزلة قولك: "هلم وتعال وأَقْبِل"، وقوله: "ما ينظرون إلا زقية" و"إلا صيحة".
وأجاب الطبري عن تساؤل مفتَرَض: ففي أي كتاب الله نجد حرفًا واحدًا مقروءًا بلغات سبع مختلفات الألفاظ متفقات المعنى؟ أجاب: بأننا لم ندع أن ذلك موجود اليوم وعن تساؤل مفترض آخر: فما بال الأحرف الأخر الستة غير موجودة؟ - بأن الأمة أُمِرَت بحفظ القرآن, وخُيِّرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت كما أُمِرَت، ثم دعت الحاجة إلى التزام القراءة بحرف واحد مخافة الفتنة في زمن عثمان، ثم اجتمع أمر الأمة على ذلك، وهي معصومة من الضلالة .
ويُجاب عن الرأي الثالث "جـ" الذي يرى أن المراد بالأحرف السبعة سبعة أوجه: من الأمر، والنهي والحلال، والحرام، والمُحْكم، والمتشابه، والأمثال - بأن ظاهر الأحاديث يدل على أن المراد بالأحرف السبعة أن الكلمة تقرأ على وجهين أو ثلاثة إلى سبعة توسعة للأمة، والشيء الواحد لا يكون حلالًا وحرامًا في آية واحدة، والتوسعة لم تقع في تحريم حلال، ولا تحليل حرام، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.
والذي ثبت في الأحاديث السابقة أن الصحابة الذين اختلفوا في القراءة احتكموا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستقرأ كل رجل منهم، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم: "إن الله أمرني أن أقرأ على سبعة أحرف" .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق