Translate

2014-08-27

خطبة الجمعة بالعربية ليوم : 22 / 08 / 2014 .

                 بسم الله الرحمن الرحيم :

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] .[آل عمران: 102]

[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً].[النساء:1] .


[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً].[الأحزاب: 70 و71] .


أما بعد:

معاشر المسلمين :

إنني حينما أخاطبكم ، أريد منكم أن تفهموا ما يريده منكم ربنا تبارك و تعالى ، و ما يريده منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فافهموا عنّي ، و اعقلوا ما أريد قوله ، فالله ، الله ، في أحكام دينكم ، و شرعكم ، و سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم .

معاشر المسلمين ، تناولنا فيما مضى سلسلة خطب تحت عنوان : [ تصحيح لمفاهيم إسلامية مغلوطة ] ، تناولنا فيها المفهوم الشامل للعبادة ، و الفرق بين ميزان الله و ميزان البشر في تقييم الأشخاص في الإسلام ، و كذلك تكلمنا عن مفهوم كلمة التوحيد لا إله إلاّ الله ، و عن معناها الحقيقي ، و عن شروطها السبعة التي تمنيت لو أن كل مسلم يحفظها و يفهمها ، حتى يصح إيمانه و اعتقاده بالله تعالى.

أما اليوم فنتناول بعض المفاهيم المغلوطة ، ثم نعمل على بيان وجه الخطأ فيها ، و توضيح الموقف الشرعي ممّا يعتري هاته المفاهيم من أخطاء و خلط ، عند كثير من الناس ، و أول مفهوم نتناوله اليوم هو : مفهوم الصحيح لبرّ الوالدين ، و ضوابطه الشرعية.

قال الله تعالى :
[ و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إيّاه و بالوالدين إحسانا ، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفّ و لا تنهرهما ، و قل لهما قولا كريما ، و اخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة و قل ربّي ارحمهما كما ربياني صغيرا.

اِعْلَمْ أن الله تعالى جمع بين الأمر بتوحيده سبحانه والأمر بالإحسان إلى الوالدين ونهى عن الإساءة إليهما في الكلمة أو الفعل وأمرنا بالدعاء لهما في كل حين.

فبرّهما واجب شرعي ، و القيام على شأنهما واجب شرعي ، و احترامهما و محبتهما واجب شرعي ، و الإنفاق عليهما و إيواؤهما واجب شرعي ، و مع كل هذا الذي تقوم به من أجلهما ، لن تستطيع أن ترد لهما حقهما عليك ، مهما فعلت .

و إن البر بالوالدين من أفضل القربات للحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري : عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله : أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي ؟ ، قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، فأخبر رسول الله أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام.

روى البخاري في الأدب المفرد بإسناد صحيح ، عن أبى بردة ، قال: سمعت أبي يحدث أنّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رأى رجلا يطوف حول الكعبة وهو يحمل أمه على كتفه ، فقال لابن عمر رضي الله عنهما : ياعبدىالله بن عمر : هل تظنني جازيتها ، قال له ابن عمر : لا و لا طلقة. أي صرخة من صرخات الولادة.

أين أنتم يا من تطردون أباءكم و أمهاتكم من البيوت ، أين أنتم يا من تضعونهم في بيوت العجزة .

أهذا من الوفاء ، أهذا من البرّ ، أهذا من طاعة الله تعالى ، أهذا من الإسلام .

لا والله ليس هذا من الإسلام في شيئ ، كثيرٌ ممّن يدّعون الإسلام يسبون آباءهم ، بل يطردونهم من بيوتهم ، لمّا كبروا و عجزوا ، و نسوا لمّا كان أباؤهم يتعبون عليهم و هم صغار ، و يسهرون لأجل راحتهم ، أما الآن فيرضي زوجته ، و يغضب أباه ، ألا لعنة الله على الظالمين ، ألا لعنة الله على الجاحدين ، الذين ينسون فضل آبائهم عليهم ، أولئك الله بريئ منهم و رسوله ، و يوم تقوم الساعة ، يبلس المجرمون .

قال تعالى : [
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ].

يؤسفني أن أقول إن الاسلام صار شعارات ، لا مضامين فيها ، و صارت مظاهر كاذبة لا إخلاص فيها ، فيا ويحنا حين نلقى ربنا .

قال تعالى : [ ربّنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين ] .

و مع هذه الآيات الكريمة و الأحاديث الصحيحة ، و التي تركز على هذا الأصل العظيم بعد توحيد الله عزوجل .

نشأ بين الناس من يفهم أن البر هو من جهة واحدة ، و هي جهة الولد اتجاه أبيه و أمّه ، هذا المفهوم الخطأ ينبغي تصحيحه ، و بيانه للناس كافة ، و مفاده أن العقوق قد يكون من جهة الوالدين أيضا .

روى الإمام ابن الجوزي في كتابه [ بر الوالدين ] و شيخ مشايخنا عبد الله ناصح علوان في كتابه الماتع : [ تربية الأولاد في الإسلام ] ، قالا : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر عمر الولد وابنه وأنّبه على عقوقه لأبيه ، ونسيانه لحقوقه ، فقال الولد : يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه ؟ قال : بلى ، قال : فما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر : أن ينتقي أمه ، ويحسن أسمه ، ويعلمه الكتاب ( أي القرآن ) ، قال الولد : يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك ، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي ، و قد سماني جُعلاً ( أي خنفساء ) ، و لم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً !!!
فالتفت عمر إلى الرجل وقال له : جئت إلي تشكو عقوق ابنك ، وقد عققته قبل أن يعقك ، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك .

اذهب فلا أملك لك شيئا .

فليحتط المسلم لنفسه ، و ليعلم أن فرحة اليوم هو حزن دائم بالغد القريب ، إن لم يتق الله تعالى و يبتعد عمّا يغضبه جلّ جلاله .

فيا من تتركون حبل أبنائكم على غاربه ، اتقوا الله في أبنائكم فرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول : كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته ، فالمرأة راعية في بيت زوجها و هي مسؤولة عن رعيتها ، و الرجل راع في بيته و هو مسؤول عن رعيته .

المسألة الثانية التي أود توضيحها و هي :

ليعلم المسلمون أن الجهة الوحيدة التي تُنَفَّذُ أوامرها دون نقاش ، هي أوامر خالقنا سبحانه و تعالى ، ثم أوامر رسوله حبيبنا و شفيعنا محمدا صلى الله عليه وسلم ، دون قيد أو شرط ، أمّا ما سوى ذلك فأي جهة لا تطاع إلا بإذن الله تعالى ، و لو بلغت مكانته ما بلغت في الدنيا .

نشأ مفهوم خطأ نتيجة هذا التصور ألا و هو أن كلام الوالدين ، و كلام الحكام ، و كلام المسؤولين ، و كلام كل من له على المسلمين نفوذ ، مقدّس ينبغي السمع له و الطاعة و لو فيما يغضب الرحمن ، فيصحح الله تعالى هذا الفهم الخطأ ـ و يبين ما ينبغي على المسلمين فعله ، فيقول تعالى : [ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و الرسول و أولي الأمر منكم ].

فجعل طاعة الله و رسوله مطلقة دون قيد ، و جعل طاعة أولي الأمر مرتبطة بمدى طاعتهما لله و لرسوله صلى الله عليه و سلم .

قال الصحابي جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، و التابعي الجليل مجاهد بن جبر رحمه الله  : " أولو الأمر " أهل القرآن و العلم ؛ و هو اختيار الإمام مالك رحمه الله ، ونحوه قول الضحاك قال : يعني الفقهاء و العلماء في الدين . و حكي عن مجاهد أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة . وحكي عن عكرمة أنها إشارة إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما خاصة .

و قال مشايخنا من أهل العلم - جزاهم الله خيرا - : أولو الأمر إن أريد بهم الحكام فالمقصود الذين تحبونهم و يحبونكم ، و تدعون لهم و يدعون لكم.

روى الإمامان البخاري و مسلم في صحيحيهما عن علي رضي الله عنه ، قال : بعث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سرِيَّةً . و استعمل عليهم رجلًا من الأنصارِ . وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا . فأغضبُوه في شيءٍ . فقال : اجمَعوا لي حطبًا . فجمعوا له . ثم قال : أَوقِدوا نارًا . فأوقَدوا . ثم قال : ألم يأمرْكم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن تسمعوا لي وتطيعوا ؟ قالوا : بلى . قال : فادخُلوها . قال : فنظر بعضُهم إلى بعضٍ . فقالوا : إنما فرَرْنا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من النارِ . فكانوا كذلك . وسكن غضبُه . وطُفِئَتِ النارُ . فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعةُ في المعروف .
هذا درس بليغ من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصحح فيه المفاهيم المغلوطة و يبين لنا أن الطاعة في المعروف ، و ليس كل من تسلم مسؤولية ، يأمر بما يشاء ، و لو بمعصية الله و رسوله و الناس تطيعه ، ليس المسلمون قطيعا من الغنم يتحكم فيهم جبابرة ، أو فراعنة ، لا يرد لهم قولا ، بل السمع و الطاعة في طاعة الرحمن ، و من لم يطع الرحمن فلا طاعة له و لا كرامة ، فمّن حكّم فينا شرع الرحمن ، فيطاع بإذن الله ، و من حكّم فينا قانون الأرض ، فإثمه على جنبه ، و سخط الله عليه إلى يوم الدين.
و يبين الله أيضا حدود الطاعة مع الوالدين ، فيقول سبحانه : [ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ] .

فطاعة الوالدين في كل شيئ يرضي الرحمن واجبة ، إلا أمرا فيه محاربة لله و لرسوله ، فلا طاعة لأحد في الأرض لأجلها ، و لا كرامة .

فراجعوا أيها المسلمون دينكم و كونوا على استعداد للقاء الله تعالى ، و الله المستعان لا رب سواه .

أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم ن فيا فوز المستغفرين ، استغفروا الله .



الخطبة الثانية : دعاء للمسلمين .

و الله الموفق لا ربّ سواه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق