بسم الله الرحمن الرحيم :
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] .[آل عمران: 102]
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً].[النساء:1] .
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً].[الأحزاب: 70 و71] .
أما بعد:
معاشر المسلمين :
نكمل سلسلتنا المباركة من سلسلة تصحيح المفاهيم المغلوطة التي شابها غبار الأعوام و السنين ، حتى استحالت مجهولة لدى الجمهور الأعظم من المسلمين .
نتناول في هذا اليوم المبارك ، آية من كتاب الله تعالى ، يفهمها كثير من الناس على غير وجهها الحقيقي ، يقول الله تعالى : [ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا ، فينبئكم بما كنتم تعملون ].
كثير من الناس يفهمون هاته الآية على وجه خاطئ فيقولون : إنّ الناس قد ضلّوا ، إنّ الناس قد فسدوا ، إنّ الناس قد كفروا ، لا عليّ من إثم أو خطيئة ، إذا لم أخالط أحدا منهم ، فعليّ بنفسي لا يضرّني ذلك إذا اهتديت ، و هذا أوان إنفاذ مفهوم الآية و منطوقها على حالي ووضعي .
بل يذهب بعض المسلمين إلى أن يستحبوا العزلة فلا يدخلوا مسجدا و لا يأويهم مكان علم أو سنة ، فيبقون خارج معادلة الصراع بين الحق و الباطل ، و كأنّ عندهم عهدا من الله أو ميثاقا على أنهم ناجون يوم القيامة ، دونما بذل شيئ في سبيل نصرة هذا الدين و إعلاء كلمته ، دون أمر بمعروف أو نهي عن منكر فيما يملكون و فيما هو تحت أيديهم ، و يستطعون إنفاذه ، و لا يفعلون .
هؤلاء أخطئوا خطـأ عظيما في حق دينهم ، و في حق أنفسهم ، و في حق عائلاتهم ، لهذا جاء التصحيح لهذا المفهوم الخاطئ ، الخطير ، لمدلول هاته الآية من صدّيق هاته الأمّة ، أبي بكر رضي الله عنه مباشرة حيث قال في إحدى خطبه العصماء :
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ] وَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يَقُولُ : إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ.
هذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده ، وأبو داود في سننه ، و الترمذي في جامعه وابن ماجه ، والنسائي في الكبرى ، و أبو يعلى في مسنده ، وابن حبان في صحيحه ، والبيهقي في السنن الكبرى ، و هو صحيح ، صححه جمع من أهل العلم بالحديث .
إن هذا الدين يستحق منّا أكثر من الصلاة ، يستحق منا أكثر من الصوم ، يستحق منا أكثر من خطبة جمعة ، يستحق منّا أكثر من محاضرة ، يستحق منّا أكثر من حديث يلقيه رقيع لا دين له ، يستحق منّا أكثر من مؤتمر عن الإسلام و المسلمين يتكلم فيه من لا يخاف الله تعالى ، يتكلم فيه من لم يستنر قلبه بعظمة هذه الشريعة و أنّها فوق النفس ، و المال ، و الأهل ، و الأولاد ، و الأحزاب ، و الجماعات ، و الفرق ، و الحدود المصطنعة ، و اللون و العرق ، إنّها فوق الجميع ، إنّه دين يستحق منا أكثر من دريهمات ندفعها في صندوق مسجد ، يستحق منا أكثر من سلام بارد على الشفاه ، يستحق منا أكثر من زيارة لمريض زيارة رفع عتاب ، إنه يستحق منّا أن نعيش به ، أن نحيا به ، أن نُحَكِّمَهُ في جميع شؤوننا ، نُحَكِّمَهُ في صداقاتنا ، في شرائنا ، في بيعنا ، في سفرنا ، في حضرنا ، في قربنا ، في بعدنا ، في حبنا ، في بغضنا ، في شؤوننا الأسرية ، في شؤوننا المالية ، في شؤوننا الإجتماعية ، في شؤوننا الثقافية ، في تريتنا لأولادنا ، في ذاتنا في أنفسنا ، و في كل ماله علاقة بنا ، فمن يرفع لواء هذا الفهم العظيم لدين الله تعالى ، من له ، من له ، فإذا لم يكن في المسلمين اليوم من يفهم هذا الفهم و يعمل من أجل أن يسود الأرض ، فبطن الأرض أولى لنا من ظهرها ، فنقعد في بيوتنا و لنبكي على خطيئتنا حتى يأتي وعد الله ، و إن ربّك لبالمرصاد .
إنه أمرٌ يحتاج لعزيمة رجال مؤمنين ، يحتاج للعمل أكثر مما يحتاج إلى الكلام ، فماذا نحن قائلون لربنا يوم نلقاه .
أخوف ما أخاف منه أيها الإخوة أن يفوز بالجنّة أقوام ، جاءوا متأخرين للإسلام ، و لكنهم اندفعوا إليه بقلوبهم و عقولهم ، هؤلاء الذين أسلموا حازوا شرف السبق في كثير من مهمات ديننا ، فأين نحن أيها المسلمون ، نحن الذين ورثنا هذا الدين العظيم عن آبائنا و أجدادنا ، أين نحن من خدمة هذا الدين و رفعته ، إذا كان الواحد منّا يصلي الجمعة ثم لا يحضر إلاّ إلى الجمعة الأخرى ، لا يدري ماذا يحصل لإخوانه في بيوت الرحمن ، إذا كان لا يلتقي مع إخوانه كيف ينمو إيمانه ، كيف يرتفع شأن فهمه و إدراكه لهذا الدين و حقيقته و طبيعته ، إن طبيعة هذا الدين الخاتم العظيم ، أنه لا يسلس لك قياده ، و لن تشعر بالسعادة معه و به حتى تكون مخلصا في كل ماله علاقة بهذا الدين ، لا بدا أن يكون دينك في قلبك و دمك و لحمك و عروقك ، لا بدا أن تتنفس بهذا الإسلام ، هناك يعلم الله منك صدق تسليمك له ، و إخلاصه ، هناك يستجاب دعاؤك ، و يبارك لك في أهلك و مالك وولدك ، و يصلحهم الله لك ، دون ذلك ، فلا تننظر إلا لقاء الله تعالى .
إنّي أنظر إلى غير المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها ، إنهم يدخلون في دين الله أفواجا ، و أجد بني قومي يبتعدون يوما بعد يوم عن فهم هذا الدين و العمل به ، أجد الذين أسلموا من بريطانيا ، و أمريكا ، و بلجيكا ، فرنسا ، و روسيا ، و كثير من دول العالم يقبلون على هذا الدين يتعلمون أحكامه و شرائعه ، و أجد بني قومي لا يسألون عن دينهم ، لا يحضرون دروس العلم ، فمتى نفهم ديننا إذا بقينا على هذا الحال ، و الله العظيم سنقف بين يدي جبار السموات و الأرضين جميعا ، و سيسألنا فردا فردا ، لم لم تتعلم دينك لمَ لمْ تصحح نطقك بكتابي ، لماذا وصلت الثلاثين و لم تحفظ ثلاثين حديثا من أحاديث رسولي محمد ، لم وصلت إلى الأربعين و لم تقرأ أربعين كتابا في محاسن هذا الدين و أحكامه و شرائعه ، لماذا وصلت إلى الخمسين و لم تختم كتابي خمسين مرة ، لم وصلت الستين و لم تقرأ تفسيرا مبسطا كاملا للقرآن العظيم ، أهان عليك دينك ، أهان عليك قرآنك ، أهان عليك رسولك ، أهان عليك ربك ، أي المسلمين أنت ، لم أرك يوما تفكر في مصلحة هذا الدين ، جلّ تفكيرك كان في جيبك ، و في بطنك ، و فيما تلبس ، رسولك محمد صلى الله عليه وسلم لا ينام الليل ليبلغك هذا الدين ، و أنت لا تنصر سنته بتعلمها ، أصحاب رسولك عانوا الأمرّين من أجل رفع راية الإسلام ، و أنت و لا كأنك تحس بهموم المسلمين .
يا أيها المسلمون إجعلوا بيوت الله تتلألأ بحضوركم ، اجعلوا رسول الله يسعد بكم لأنكم عملتم ما بوسعكم لتعريف الناس به و برسالته .
ماذا ننتظر من الله تعالى ، و نحن هكذا لا للدروس حاضرين ، و لا للعلم نافعين و لا بواجب أبنائنا قائمين ، أيعطينا ربّنا ما نريد يوم القيامة ، أيرحمنا ربّنا و نحن لا نرفع رأسا بهذا الدين .
فلنبرمج حياتنا على وفق مبادئ ديننا ، و نسأل أهل العلم ماهو الواجب الكفائي الذي تعلق برقابنا ، فلا بد أن نعمل على تحقيقه حتى لا نأثم ، و ننجو يوم القيامة ، و نفوز فوزا عظيما .
يقول الله تعالى : [ فمن زُحْزِحَ عن النار و أدخل الجنة فقد فاز ، و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ] .
فعلى المؤمن أن يسعى في صلاح نفسه و استقامتها على طاعة الله و رسوله ، و لا يضره - بعد أن يفعل ما طلب منه - من ضل إذا اهتدى ، و الذي يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما اهتدى ، فهو ناقص هداية ، ناقص إيمان ، فالمعنى أنه لا يضره من ضل إذا أدى الواجب الذي عليه ، و من الواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هذا من الواجب عليه .
فلنحاول فهم ديننا و العمل على تغيير ما بأنفسنا ، حتى يغير الله ما بنا من ذل و تأخر و خور ، و حب للدنيا ، و الله الموفق لا ربّ سواه .
أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم فيا فوز المستغفرين استغفروا الله .
الخطبة الثانية : دعاء للمسلمين .
ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم .
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] .[آل عمران: 102]
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً].[النساء:1] .
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً].[الأحزاب: 70 و71] .
أما بعد:
معاشر المسلمين :
نكمل سلسلتنا المباركة من سلسلة تصحيح المفاهيم المغلوطة التي شابها غبار الأعوام و السنين ، حتى استحالت مجهولة لدى الجمهور الأعظم من المسلمين .
نتناول في هذا اليوم المبارك ، آية من كتاب الله تعالى ، يفهمها كثير من الناس على غير وجهها الحقيقي ، يقول الله تعالى : [ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا ، فينبئكم بما كنتم تعملون ].
كثير من الناس يفهمون هاته الآية على وجه خاطئ فيقولون : إنّ الناس قد ضلّوا ، إنّ الناس قد فسدوا ، إنّ الناس قد كفروا ، لا عليّ من إثم أو خطيئة ، إذا لم أخالط أحدا منهم ، فعليّ بنفسي لا يضرّني ذلك إذا اهتديت ، و هذا أوان إنفاذ مفهوم الآية و منطوقها على حالي ووضعي .
بل يذهب بعض المسلمين إلى أن يستحبوا العزلة فلا يدخلوا مسجدا و لا يأويهم مكان علم أو سنة ، فيبقون خارج معادلة الصراع بين الحق و الباطل ، و كأنّ عندهم عهدا من الله أو ميثاقا على أنهم ناجون يوم القيامة ، دونما بذل شيئ في سبيل نصرة هذا الدين و إعلاء كلمته ، دون أمر بمعروف أو نهي عن منكر فيما يملكون و فيما هو تحت أيديهم ، و يستطعون إنفاذه ، و لا يفعلون .
هؤلاء أخطئوا خطـأ عظيما في حق دينهم ، و في حق أنفسهم ، و في حق عائلاتهم ، لهذا جاء التصحيح لهذا المفهوم الخاطئ ، الخطير ، لمدلول هاته الآية من صدّيق هاته الأمّة ، أبي بكر رضي الله عنه مباشرة حيث قال في إحدى خطبه العصماء :
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ] وَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يَقُولُ : إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ.
هذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده ، وأبو داود في سننه ، و الترمذي في جامعه وابن ماجه ، والنسائي في الكبرى ، و أبو يعلى في مسنده ، وابن حبان في صحيحه ، والبيهقي في السنن الكبرى ، و هو صحيح ، صححه جمع من أهل العلم بالحديث .
إن هذا الدين يستحق منّا أكثر من الصلاة ، يستحق منا أكثر من الصوم ، يستحق منا أكثر من خطبة جمعة ، يستحق منّا أكثر من محاضرة ، يستحق منّا أكثر من حديث يلقيه رقيع لا دين له ، يستحق منّا أكثر من مؤتمر عن الإسلام و المسلمين يتكلم فيه من لا يخاف الله تعالى ، يتكلم فيه من لم يستنر قلبه بعظمة هذه الشريعة و أنّها فوق النفس ، و المال ، و الأهل ، و الأولاد ، و الأحزاب ، و الجماعات ، و الفرق ، و الحدود المصطنعة ، و اللون و العرق ، إنّها فوق الجميع ، إنّه دين يستحق منا أكثر من دريهمات ندفعها في صندوق مسجد ، يستحق منا أكثر من سلام بارد على الشفاه ، يستحق منا أكثر من زيارة لمريض زيارة رفع عتاب ، إنه يستحق منّا أن نعيش به ، أن نحيا به ، أن نُحَكِّمَهُ في جميع شؤوننا ، نُحَكِّمَهُ في صداقاتنا ، في شرائنا ، في بيعنا ، في سفرنا ، في حضرنا ، في قربنا ، في بعدنا ، في حبنا ، في بغضنا ، في شؤوننا الأسرية ، في شؤوننا المالية ، في شؤوننا الإجتماعية ، في شؤوننا الثقافية ، في تريتنا لأولادنا ، في ذاتنا في أنفسنا ، و في كل ماله علاقة بنا ، فمن يرفع لواء هذا الفهم العظيم لدين الله تعالى ، من له ، من له ، فإذا لم يكن في المسلمين اليوم من يفهم هذا الفهم و يعمل من أجل أن يسود الأرض ، فبطن الأرض أولى لنا من ظهرها ، فنقعد في بيوتنا و لنبكي على خطيئتنا حتى يأتي وعد الله ، و إن ربّك لبالمرصاد .
إنه أمرٌ يحتاج لعزيمة رجال مؤمنين ، يحتاج للعمل أكثر مما يحتاج إلى الكلام ، فماذا نحن قائلون لربنا يوم نلقاه .
أخوف ما أخاف منه أيها الإخوة أن يفوز بالجنّة أقوام ، جاءوا متأخرين للإسلام ، و لكنهم اندفعوا إليه بقلوبهم و عقولهم ، هؤلاء الذين أسلموا حازوا شرف السبق في كثير من مهمات ديننا ، فأين نحن أيها المسلمون ، نحن الذين ورثنا هذا الدين العظيم عن آبائنا و أجدادنا ، أين نحن من خدمة هذا الدين و رفعته ، إذا كان الواحد منّا يصلي الجمعة ثم لا يحضر إلاّ إلى الجمعة الأخرى ، لا يدري ماذا يحصل لإخوانه في بيوت الرحمن ، إذا كان لا يلتقي مع إخوانه كيف ينمو إيمانه ، كيف يرتفع شأن فهمه و إدراكه لهذا الدين و حقيقته و طبيعته ، إن طبيعة هذا الدين الخاتم العظيم ، أنه لا يسلس لك قياده ، و لن تشعر بالسعادة معه و به حتى تكون مخلصا في كل ماله علاقة بهذا الدين ، لا بدا أن يكون دينك في قلبك و دمك و لحمك و عروقك ، لا بدا أن تتنفس بهذا الإسلام ، هناك يعلم الله منك صدق تسليمك له ، و إخلاصه ، هناك يستجاب دعاؤك ، و يبارك لك في أهلك و مالك وولدك ، و يصلحهم الله لك ، دون ذلك ، فلا تننظر إلا لقاء الله تعالى .
إنّي أنظر إلى غير المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها ، إنهم يدخلون في دين الله أفواجا ، و أجد بني قومي يبتعدون يوما بعد يوم عن فهم هذا الدين و العمل به ، أجد الذين أسلموا من بريطانيا ، و أمريكا ، و بلجيكا ، فرنسا ، و روسيا ، و كثير من دول العالم يقبلون على هذا الدين يتعلمون أحكامه و شرائعه ، و أجد بني قومي لا يسألون عن دينهم ، لا يحضرون دروس العلم ، فمتى نفهم ديننا إذا بقينا على هذا الحال ، و الله العظيم سنقف بين يدي جبار السموات و الأرضين جميعا ، و سيسألنا فردا فردا ، لم لم تتعلم دينك لمَ لمْ تصحح نطقك بكتابي ، لماذا وصلت الثلاثين و لم تحفظ ثلاثين حديثا من أحاديث رسولي محمد ، لم وصلت إلى الأربعين و لم تقرأ أربعين كتابا في محاسن هذا الدين و أحكامه و شرائعه ، لماذا وصلت إلى الخمسين و لم تختم كتابي خمسين مرة ، لم وصلت الستين و لم تقرأ تفسيرا مبسطا كاملا للقرآن العظيم ، أهان عليك دينك ، أهان عليك قرآنك ، أهان عليك رسولك ، أهان عليك ربك ، أي المسلمين أنت ، لم أرك يوما تفكر في مصلحة هذا الدين ، جلّ تفكيرك كان في جيبك ، و في بطنك ، و فيما تلبس ، رسولك محمد صلى الله عليه وسلم لا ينام الليل ليبلغك هذا الدين ، و أنت لا تنصر سنته بتعلمها ، أصحاب رسولك عانوا الأمرّين من أجل رفع راية الإسلام ، و أنت و لا كأنك تحس بهموم المسلمين .
يا أيها المسلمون إجعلوا بيوت الله تتلألأ بحضوركم ، اجعلوا رسول الله يسعد بكم لأنكم عملتم ما بوسعكم لتعريف الناس به و برسالته .
ماذا ننتظر من الله تعالى ، و نحن هكذا لا للدروس حاضرين ، و لا للعلم نافعين و لا بواجب أبنائنا قائمين ، أيعطينا ربّنا ما نريد يوم القيامة ، أيرحمنا ربّنا و نحن لا نرفع رأسا بهذا الدين .
فلنبرمج حياتنا على وفق مبادئ ديننا ، و نسأل أهل العلم ماهو الواجب الكفائي الذي تعلق برقابنا ، فلا بد أن نعمل على تحقيقه حتى لا نأثم ، و ننجو يوم القيامة ، و نفوز فوزا عظيما .
يقول الله تعالى : [ فمن زُحْزِحَ عن النار و أدخل الجنة فقد فاز ، و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ] .
فعلى المؤمن أن يسعى في صلاح نفسه و استقامتها على طاعة الله و رسوله ، و لا يضره - بعد أن يفعل ما طلب منه - من ضل إذا اهتدى ، و الذي يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما اهتدى ، فهو ناقص هداية ، ناقص إيمان ، فالمعنى أنه لا يضره من ضل إذا أدى الواجب الذي عليه ، و من الواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، هذا من الواجب عليه .
فلنحاول فهم ديننا و العمل على تغيير ما بأنفسنا ، حتى يغير الله ما بنا من ذل و تأخر و خور ، و حب للدنيا ، و الله الموفق لا ربّ سواه .
أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم فيا فوز المستغفرين استغفروا الله .
الخطبة الثانية : دعاء للمسلمين .
ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق