بسم الله الرحمن الرحيم :
سلسلة دروس علوم القرآن .
الموضوع : حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف:
سلسلة دروس علوم القرآن .
الموضوع : حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف:
تتلخص حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف في أمور:
1- تيسير القراءة والحفظ على قوم أميين، لكل قبيل منهم لسان ولا عهد لهم بحفظ الشرائع، فضلًا عن أن يكون ذلك مما ألفوه -وهذه الحكمة نصت عليها الأحاديث في عبارات:
عن أُبَيٍّ قال: "لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المراء فقال: إني بُعثت إلى أمة أميين، منهم الغلام والخادم والشيخ العاس والعجوز، فقال جبريل: فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف"[ رواه أحمد وأبو داود والترمذي والطبري بإسناد صحيح، وأحجار المراء: موضع بقباء، وعسا الشيخ: كبر وأسن وضعف ] ، "إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف، فقلت: اللهم رب خفف عن أمتي" , "إن الله يأمرك أن تُقرئ أمتك القرآن على حرف"، قال: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك" .
2- إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب ، فتعدد مناحي التأليف الصوتي للقرآن تَعدُّدًا يكافئ الفروع اللسانية التي عليها فطرة اللغة في العرب حتى يستطيع كل عربي أن يوقع بأحرفه وكلماته على لحنه الفطري ولهجة قومه مع بقاء الإعجاز الذي تحدى به الرسول العرب ومع اليأس من معارضته لا يكون إعجازًا للسان دون آخر، وإنما يكون إعجازًا للفطرة اللغوية نفسها عند العرب.
3- إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه -فإن تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات يتهيأ معه استنباط الأحكام التي تجعل القرآن ملائمًا لكل عصر- ولهذا احتج الفقهاء في الاستنباط والاجتهاد بقراءات الأحرف السبعة.
10- القراءات والقرَّاء:
القراءات: جمع قراءة، مصدر قرأ في اللغة، ولكنها في الاصطلاح العلمي: مذهب من مذاهب النطق في القرآن يذهب به إمام من الأئمة القرَّاء مذهبًا يخالف غيره.
وهي ثابتة بأسانيدها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويرجع عهد القرَّاء الذين أقاموا الناس على طرائقهم في التلاوة إلى عهد الصحابة، فقد اشتهر بالإقراء منهم: أُبَي, وعلي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وغيرهم، وعنهم أخذ كثير من الصحابة والتابعين في الأمصار، وكلهم يسند إلى رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر الذهبي في "طبقات القرَّاء" أن المشتهرين بإقراء القرآن من الصحابة سبعة: عثمان، وعلي، وأُبَي، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري، قال: وقد قرأ على "أُبَي" جماعة من الصحابة، منهم: أبو هريرة، وابن عباس، وعبد الله بن السائب، وأخذ ابن عباس عن زيد أيضًا.
وأخذ عن هؤلاء الصحابة خلق كثير من التابعين في كل مصر من الأمصار.
كان منهم "بالمدينة": ابن المسيب، وعروة، وسالم، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان وعطاء ابنا يسار، ومعاذ بن الحارث المعروف بمعاذ القارئ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وابن شهاب الزهري، ومسلم بن جندب، وزيد بن أسلم.
وكان منهم "بمكة": عبيد بن عمير، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس، ومجاهد، وعكرمة، وابن أبي مليكة.
وكان منهم "بالكوفة": علقمة، والأسود، ومسروق، وعبيدة، وعمرو بن شرحبيل، والحارث بن قيس، وعمرو بن ميمون، وأبو عبد الرحمن السلمي، وسعيد بن جبير، والنخعي، والشعبي.
وكان منهم "بالبصرة": أبو عالية، وأبو رجاء، ونصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، والحسن، وابن سيرين، وقتادة.
وكان منهم "بالشام": المغيرة بن أبي شهاب المخزومي، صاحب عثمان، وخليفة بن سعد، صاحب أبي الدرداء.
وفي عهد التابعين على رأس المائة الأولى تجرد قوم واعتنوا بضبط القراءة عناية تامة، حين دعت الحاجة إلى ذلك، وجعلوها عِلمًا كما فعلوا بعلوم الشريعة الأخرى، وصاروا أئمة يُقتدى بهم ويُرْحل إليهم. واشتهر منهم, ومن الطبقة التي تلتهم الأئمة السبعة الذين تُنسب إليهم القراءات إلى اليوم، فكان منهم "بالمدينة": أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ثم نافع بن عبد الرحمن، وكان منهم "بمكة": عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، وكان منهم "بالكوفة": عاصم بن أبي النجود، وسليمان الأعمش، ثم حمزة، ثم الكسائي، وكان منهم "بالبصرة": عبد الله بن أبي إسحاق، وعيسى بن عمرو، وأبو عمرو بن العلاء، وعاصم الجحدري، ثم يعقوب الحضرمي، وكان منهم "بالشام": عبد الله بن عامر، وإسماعيل بن عبد الله بن المهاجر، ثم يحيى بن الحارث، ثم شريح بن يزيد الحضرمي.
والأئمة السبعة الذين اشتهروا من هؤلاء في الآفاق هم: أبو عمرو، ونافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر، وابن كثير.
والقراءات: غير الأحرف السبعة -على أصح الآراء- وإن أوهم التوافق العددي الوحدة بينهما، لأن القراءات مذاهب أئمة، وهي باقية إجماعًا يقرأ بها الناس، ومنشؤها اختلاف في اللهجات وكيفية النطق وطرق الأداء من تفخيم، وترقيق، وإمالة، وإدغام، وإظهار، وإشباع، ومد، وقصر، وتشديد، وتخفيف... إلخ، وجميعها في حرف واحد هو حرف قريش.
أما الأحرف السبعة فهي بخلاف ذلك على نحو ما سبق لك، وقد انتهى الأمر بها إلى ما كانت عليه العرضة الأخيرة حين اتسعت الفتوحات، ولم يعد للاختلاف في الأحرف وجه خشية الفتنة والفساد، فحمل الصحابة الناس في عهد عثمان على حرف واحد هو حرف قريش وكتبوا به المصاحف كما تقدم.
كثرة القرَّاء والسبب في الاقتصار على السبعة:
قراءات أولئك السبع هي المتفق عليها، وقد اختار العلماء من أئمة القراءة غيرهم ثلاثة صحت قراءتهم وتواترت، وهم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي، وخلف بن هشام، وهؤلاء وأولئك هم أصحاب القراءات العشر. وما عداها فشاذ، كقراءة: اليزيدي، والحسن, والأعمش، وابن جبير، وغيرهم. ولا تخلو إحدى القراءات العشر حتى السبع المشهورة من شواذ. فإن فيها من ذلك أشياء، واختيار القرَّاء السبع إنما هو للعلماء المتأخرين في المائة الثالثة، وإلا فقد كان الأئمة الموثوق بعلمهم كثيرين، وكان الناس على رأس المائتين بالبصرة على قراءة ابن عمرو, ويعقوب، وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم، وبالشام على قراءة ابن عامر، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالمدينة على قراءة نافع، وكان هؤلاء هم السبعة. فلما كان على رأس المائة الثالثة أثبت أبو بكر بن مجاهد [ مقرئ أهل العراق، وممن ألفوا في هذا الفن، وكان من المتقنين، توفي سنة 324 هجرية ] اسم الكسائي، وحذف منهم اسم يعقوب.
قال السيوطي: "أول من صنف في القراءات أبو عبيد القاسم بن سلام، ثم أحمد بن جبير الكوفي، ثم إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون، ثم أبو جعفر بن جرير الطبري، ثم أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الدجوني، ثم أبو بكر بن مجاهد، ثم قام الناس في عصره وبعده بالتأليف في أنواعها جامعًا ومفردًا، وموجزًا ومسهبًا، وأئمة القراءات لا تُحصى، وقد صنف طبقاتهم حافظ الإسلام أبو عبد الله الذهبي، ثم حافظ القرَّاء أبو الخير بن الجزري".
وقال الإمام ابن الجزري في "النشر": "أول إمام معتبر جَمع القراءات في كتابٍ أبو عبيد القاسم بن سلام، وجعلهم فيما أحسب خمسة وعشرين قارئًَا، مع هؤلاء السبعة، وتوفي سنة "224هـ" ثم قال: وكان في أثره أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد أول من اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط، وتوفي سنة "324هـ" ثم قال: وإنما أطلنا في هذا الفصل لما بلغنا عن بعض من لا علم له أن القراءات الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة، بل غلب على كثير من الجهال أن القراءات الصحيحة هي التي في الشاطبية والتيسير".
والسبب في الاقتصار على السبعة مع أنه في أئمة القرَّاء مَن هو أجلُّ منهم قدرًا أو مثلهم إلى عدد أكثر من السبعة، هو أن الرواة عن الأئمة كانوا كثيرًا جدًّا, فلما تقاصرت الهمم اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة، وطول العمر في ملازمة القراءة والاتفاق على الأخذ عنه فأفردوا من كل مصر إمامًا واحدًا.
ولم يتركوا مع ذلك نقل ما كان عليه الأئمة غير هؤلاء من القراءات ولا القراءة بها، كقراءة يعقوب الحضرمي، وأبي جعفر المدني، وشيبة بن نصاع، وغيرهم.
وقد أسهم المؤلفون في القراءات في الاقتصار على عدد معين. لأنهم إذ يؤلفون مقتصرين على عدد مخصوص من أئمة القرَّاء يكون ذلك من دواعي شهرتهم وإن كان غيرهم أجلُّ منهم قدرًا، فيتوهم الناس بعد أن هؤلاء الذين اقتصر التأليف على قراءاتهم هم الأئمة المعتبرون في القراءات. وقد صنف ابن جبر المكي كتابًا في القراءات فاقتصر على خمسة، اختار من كل مصر إمامًا، وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان كانت خمسة إلى هذه الأمصار. ويقال: إنه وَجَّه سبعة، هذه الخمسة ومصحفًا إلى اليمن، ومصحفًا إلى البحرين. لكن لما لم يُسمع لهذين المصحفين خبر وأراد ابن مجاهد وغيره مراعاة عدد المصاحف استبدلوا من مصحف البحرين ومصحف اليمن قارئين كمل بهما العدد؛ ولذا قال العلماء: إن التمسك بقراءة سبعة من القرَّاء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سُنَّة. وإنما هو من جمع بعض المتأخرين فانتشر، فلو أن ابن مجاهد مثلًا كتب عن غير هؤلاء السبعة بالإضافة إليهم لاشتهروا. قال أبو بكر بن العربي: "ليست هذه السبعة متعينة للجواز حتى لا يجوز غيرها كقراءة أبي جعفر وشيبة والأعمش ونحوهم، فإن هؤلاء مثلهم أو فوقهم" وكذا قال غير واحد من أئمة القراء، وقال أبو حيان: "ليس في كتاب ابن مجاهد ومن تبعه من القراءات المشهورة إلا النزر اليسير، فهذا أبو عمرو بن العلاء اشتهر عنه سبعة عشر راويًا، ثم ساق أسماءهم، واقتصر في كتاب ابن مجاهد على اليزيدي, واشتهر عن اليزيدي عشرة أنفس. فكيف يقتصر على السوسي, والدوري، وليس لهما مزية على غيرهما، لأن الجميع مشتركون في الضبط والإتقان والاشتراك في الأخذ. قال: ولا أعرف لهذا سببًا إلا ما قضى من نقص العلم" .
و الله الموفق لا رب سواه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق