Translate

2014-12-04

الدرس الثلاثون من سلسلة علوم القرآن الكريم .

                  بسم الله الرحمن الرحيم :

سلسلة دروس علوم القرآن .


الموضوع :أمثال القرآن:


الحقائق السامية في معانيها وأهدافها تأخذ صورتها الرائعة إذا صيغت في قالب حسي يقربها إلى الأفهام بقياسها على المعلوم اليقيني, والتمثيل هو القالب الذي يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان، بتشبيه الغائب بالحاضر، والمعقول بالمحسوس. وقياس النظير على النظير، وكم من معنى جميل أكسبه التمثيل روعة وجمالًا، فكان ذلك أدعى لتقبل النفس له، واقتناع العقل به، وهو من أساليب القرآن الكريم في ضروب بيانه ونواحي إعجازه.

ومن العلماء من أفرد الأمثال في القرآن بالتأليف، ومنهم من عقد لها بابًا في كتاب من كتبه ، فأفردها بالتأليف أبو الحسن الماوردي، وعقد لها بابًا السيوطي في الإتقان ، وابن القيم في كتاب أعلام الموقعين. حيث تتبع أمثال القرآن التي تضمنت تشبيه الشيء بنظيره, والتسوية بينهما في الحكم - فبلغت بضعة وأربعين مثلًا.
وذكر الله في كتابه العزيز أنه يضرب الأمثال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ، {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} ، {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ، وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله أنزل القرآن آمرًا وزاجرًا، وسُنة خالية، ومثلًا مضروبًا" .
وكما عُني العلماء بأمثال القرآن فإنهم عنوا كذلك بالأمثال النبوية. وعقد لها أبو عيسى الترمذي بابًا في جامعه أورد فيه أربعين حديثًا. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: "لم أر من أهل الحديث من صنف فأفرد للأمثال بابًا غير أبي عيسى، ولله دره، لقد فتح بابًا، وبنى قصرًا أو دارًا، ولكنه اختط خطًّا صغيرًا. فنحن نقنع به، ونشكره عليه".
تعريف المثل:
والأمثال: جمع مثل، والمَثل والمِثل والمثيل: كالشَّبه والشِّبه والشبيه لفظًا ومعنى.

والمثل في الأدب: قول محكي سائر يقصد به تشبيه حال الذي حُكِي فيه بحال الذي قيل لأجله، أي يشبه مضربه بمورده، مثل: "رُب رمية من غير رام" أي رُب رمية مصيبة حصلت من رام شأنه أن يخطئ، وأول من قال هذا الحكم بن يغوث النقري، يضرب للمخطئ يصيب أحيانًا، وعلى هذا فلا بد له من مورد يشبه مضربه به.

ويطلق المثل على الحال والقصة العجيبة الشأن. وبهذا المعنى فُسر لفظ المثل في كثير من آيات. كقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} : أي قصتها وصفتها التي يُتعجب منها.

وأشار الزمخشري إلى هذه المعاني الثلاثة في كشافه فقال: "والمثل في أصل كلامهم بمعنى المِثل والنظير، ثم قيل للقول السائر الممثَّل مضربه بمورده: مثل، ولم يضربوا مثلًَا ولا رأوه أهلًا للتسيير ولا جديرًا بالتداول والقبول إلا قولًا فيه غرابة من بعض الوجوه". ثم قال: "وقد استعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن وفيها غرابة".
وهناك معنى رابع ذهب إليه علماء البيان في تعريف المثل فهو عندهم: المجاز المركب الذي تكون علاقته المتشابهة متى فشا استعماله. وأصله الاستعارة التمثيلية. كقولك للمتردد في فعل أمر: "ما لي أراك تُقدِّم رجلًا وتؤخر أخرى".
وقيل في ضابط المثل كذلك: إنه إبراز المعنى في صورة حسية تكسبه روعة وجمالًا. والمثل بهذا المعنى لا يشترط أن يكون له مورد، كما لا يُشترط أن يكون مجازًا مركبًا.
وإذا نظرنا إلى أمثال القرآن التي يذكرها المؤلفون وجدنا أنهم يوردون الآيات المشتملة على تمثيل حال أمر بحال أمر آخر، سواء أورد هذا التمثيل بطريق الاستعارة، أم بطريق التشبيه الصريح، أو الآيات الدالة على معنى رائع بإيجاز، أو التي يصح استعمالها فيما يشبه ما وردت فيه، فإن الله تعالى ابتدأها دون أن يكون لها مورد من قبل.
فأمثال القرآن لا يستقيم حملها على أصل المعنى اللغوي الذي هو الشبيه والنظير، ولا يستقيم حملها على ما يذكر في كتب اللغة لدى من ألَّفوا في الأمثال، إذ ليست أمثال القرآن أقوالًا استعملت على وجه تشبيه مضربها بموردها، ولا يستقيم حملها على معنى الأمثال عند علماء البيان فمن أمثال القرآن ما ليس باستعارة وما لم يفش استعماله. ولذا كان الضابط الأخير أليق بتعريف المثل في القرآن: فهو إبراز المعنى في صورة رائعة موجزة لها وقعها في النفس، سواء أكانت تشبيهًا أو قولًا مرسلًا.
فابن القيم يقول في أمثال القرآن: تشبيه شيء بشيء في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس، أو أحد المحسوسين من الآخر واعتبار أحدهما بالآخر. ويسوق الأمثلة: فتجد أكثرها على طريقة التشبيه الصريح كقوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} ، ومنها ما يجيء على طريقة التشبيه الضمني، كقوله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} ،  إذ ليس فيه تشبيه صريح. ومنها ما لم يشتمل على تشبيه ولا استعارة، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شيئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} ،  فقوله: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً } .. قد سماه الله مثلًا وليس فيه استعارة ولا تشبيه.

أنواع الأمثال في القرآن:

الأمثال في القرآن ثلاثة أنواع:

1- الأمثال المصرحة.

2- والأمثال الكامنة.

3- والأمثال المرسلة.

النوع الأول: 

الأمثال المصرَّحة: 
وهي ما صرح فيها بلفظ المثل، أو ما يدل على التشبيه، وهي كثيرة في القرآن نورد منها ما يأتي:
أ- قوله تعالى في حق المنافقين: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ، أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ}  إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} .
ففي هذه الآيات ضرب الله للمنافقين مثلين: مثلًا ناريًّا في قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} لما في النار من مادة النور، ومثلًا مائيًّا في قوله:
{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} .. لما في الماء من مادة الحياة، وقد نزل الوحي من السماء متضمنًا لاستنارة القلوب وحياتها. وذكر الله حظ المنافقين في الحالين. فهم بمنزلة من استوقد نارًا للإضاءة والنفع حيث انتفعوا ماديًّا بالدخول في الإسلام, ولكن لم يكن له أثر نوري في قلوبهم، فذهب الله به في النار من الإضاءة: {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} وأبقى ما فيها من الإحراق، وهذا مثلهم الناري.
وذكر مثلهم المائي فشبههم بحال من أصابه مطر فيه ظلمة ورعد وبرق فخارت قواه ووضع أصبعيه في أذنيه وأغمض عينيه خوفًا من صاعقة تصيبه؛ لأن القرآن بزواجره وأوامره ونواهيه وخطابه نزل عليهم نزول الصواعق.
ب- وذكر الله المثلين: المائي والناري - في سورة الرعد للحق والباطل. فقال تعالى: { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} .
شبه الوحي الذي أنزله من السماء لحياة القلوب بالماء الذي أنزله لحياة الأرض بالنبات، وشبه القلوب بالأودية, والسيل إذا جرى في الأودية احتمل زبدًا وغثاء، فكذلك الهُدى والعلم إذا سرى في القلوب أثار ما فيها من الشهوات ليذهب بها، وهذا هو المثل المائي في قوله: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} وهكذا يضرب الله الحق والباطل.
وذكر المثل الناري في قوله: {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ} .. فالمعادن من ذهب أو فضة أو نحاس أو حديد عند سبكها تخرج النار ما فيها من الخبث وتفصله عن الجوهر الذي ينتفع به فيذهب جفاء. فكذلك الشهوات يطرحها قلب المؤمن ويجفوها كما يطرح السيل والنار ذلك الزبد وهذا الخبث.

النوع الثاني من الأمثال:

الأمثال الكامنة - وهي التي لم يصرح فيها بلفظ التمثيل، ولكنها تدل على معان رائعة في إيجاز: يكون لها وقعها إذا نقلت إلى ما يشبهها، ويمثلون لهذا النوع بأمثلة منها:

1- ما في معنى قولهم: "خير الأمور الوسط":
أ- قوله تعالى في البقرة: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} .
ب- قوله تعالى في النفقة: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} .
جـ- قوله تعالى في الصلاة: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} .
د- قوله تعالى في الإنفاق: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} .
2- ما في معنى قولهم: "ليس الخبر كالمعاينة":
قوله تعالى في إبراهيم عليه السلام: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} .
3- ما في معنى قولهم: "كما تدين تُدان":
قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} .
4- ما في معنى: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين":
قوله تعالى على لسان يعقوب: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْل} .

النوع الثالث:  

الأمثال المرسلة في القرآن: وهي جمل أرسلت إرسالًا من غير تصريح بلفظ التشبيه. فهي آيات جارية مجرى الأمثال.
ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

1- {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} .
2- {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} .
3- {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} .
4- {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} .
5- {لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ} .
6- {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} .
7- {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} .
8- {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}
9- {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} .
10- {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} .
11- {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} .
12- {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}.
13- {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} .
14- {لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ} .
15- {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} .
16- {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} .

واختلفوا في هذا النوع من الآيات الذي يسمونه إرسال المثل، ما حكم استعماله استعمال الأمثال؟

فرآه بعض أهل العلم خروجًا عن أدب القرآن، قال الرازي في تفسير قوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} : "جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المتاركة، وذلك غير جائز؛ لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به، بل يتدبر فيه، ثم يعمل بموجبه".
ورأى آخرون أنه لا حرج فيما يظهر أن يتمثل الرجل بالقرآن في مقام الجد، كأن يأسف أسفًا شديدًا لنزول كارثة قد تقطعت أسباب كشفها عن الناس فيقول: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} ، أو يحاوره صاحب مذهب فاسد يحاول استهواءه إلى باطله فيقول: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} والإثم الكبير في أن يقصد الرجل إلى التظاهر بالبراعة فيتمثل بالقرآن حتى في مقام الهزل والمزاح.

فوائد الأمثال:

1- الأمثال تبرز المعقول في صورة المحسوس الذي يلمسه الناس، فيتقبله العقل؛ لأن المعانى المعقولة لا تستقر في الذهن إلا إذا صيغت في صورة حسية قريبة الفهم، كما ضرب الله مثلًا لحال المنفق رياء، حيث لا يحصل من إنفاقه على شيء من الثواب, فقال تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} .
2- وتكشف الأمثال عن الحقائق، وتعرض الغائب في معرض الحاضر كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} .
3- وتجمع الأمثال المعنى الرائع في عبارة موجزة كالأمثال الكامنة والأمثال المرسلة في الآيات الآنفة الذكر.
4- ويضرب المثل للترغيب في الممثَّل حيث يكون الممثَّل به مما ترغب فيه النفوس، كما ضرب الله مثلًا لحال المنفق في سبيل الله حيث يعود عليه الإنفاق بخير كثير، فقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} .
5- ويضرب المثل للتنكير حيث يكون الممثَّل به مما تكرهه النفوس، كقوله تعالى في النهي عن الغيبة: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} .
6- ويضرب المثل لمدح الممثَّل كقوله تعالى في الصحابة: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} . وكذلك حال الصحابة فإنهم كانوا في بدء الأمر قليلًا. ثم أخذوا في النمو حتى استحكم أمرهم. وامتلأت القلوب إعجابًا بعظمتهم.
7- ويضرب المثل حيث يكون للمثَّل به صفة يستقبحها الناس، كما ضرب الله مثلًا لحال من آتاه الله كتابه، فتنكب الطريق عن العمل به، وانحدر في
الدنايا منغمسًا. فقال تعالى: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا} .
8- والأمثال أوقع في النفس، وأبلغ في الوعظ، وأقوى في الزجر، وأقوم في الإقناع، وقد أكثر الله تعالى الأمثال في القرآن للتذكرة والعبرة، قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} . وقال: { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} ، وضربها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديثه، واستعان بها الداعون إلى الله في كل عصر لنصرة الحق وإقامة الحجة، ويستعين بها المربون ويتخذونها من وسائل الإيضاح والتشويق، ووسائل التربية في الترغيب أو التنفير، في المدح أو الذم.
ضرب الأمثال بالقرآن:

جرت عادة أهل الأدب أن يسوقوا الأمثلة في مواطن تشبه الأحوال التي قيلت فيها، وإذا صح هذا في أقوال الناس التي جرت مجرى المثل، فإن العلماء يكرهون ضرب الأمثال بالقرآن، ولا يرون أن يتلو الإنسان آية من آيات الأمثال في كتاب الله عند شيء يعرض من أمور الدنيا، حفاظًا على روعة القرآن، ومكانته في نفوس المؤمنين، قال أبو عبيد: "وكذلك الرجل يريد لقاء صاحبه أو يهم بحاجته، فيأتيه من غير طلب فيقول كالمازح: {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} ، فهذا من الاستخفاف بالقرآن"، ومنه قول ابن شهاب الزهري: "لا تناظر بكتاب الله ولا بسُنة رسول الله, صلى الله عليه وسلم"، قال أبو عبيد: "يقول: لا تجعل لها نظيرًا من القول ولا الفعل".

و الله الموفق لا ربّ سواه .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق