إن الحمد لله، نحمده و نستعينه، و نستغفره و نتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ، صلّى الله وسلم عليه و على آله و أصحابه أجمعين .
أما بعد:
معاشر المسلمين الكرام :
نتناول في حديثنا اليوم مع حضراتكم ثلاثة محاور مهمة :
المحور الأول :
نتكلم فيه عمّا تبقى من شهر رمضان المبارك ، و كيف كان سادة الأمّة و علماؤها الربانيون يحيون العشر الأواخر ، و على رأس هؤلاء سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فيا أيها المسلمون إنّ ما تبقى من ليال رمضان أفضل مما مضى ، روى الإمامان البخاري و مسلم عن أمنّا عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان : [ إذا دخل العشر شد مئزره، و أحيا ليله ، و أيقظ أهله ] ، و في رواية لمسلم: أنه صلّى الله عليه و سلم : [ كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره] .
فاحرصوا وفقني الله و إياكم على هذا الخير العظيم ألا يفوتكم منه شيء .
و إن مما خصَّ الله - عزّ وجل – به العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر؛ حيث جعلها لمزيد فضلها عنده وعظيم مكانتها لديه خيرًا من ألف شهر، وفخَّم أمرها وأعلى شأنها، ورفع مكانتها عندما أنزل فيها وحيه المبين وكلامه الكريم ، قال سبحانه : [ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ] [الدخان : 3 - 4] ، و قال تعالى : [ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ] ، [القدر: 1 - 5].
فما أعظمها من ليلة، وما أجلها وما أكرمها ، ليلة واحدة خير من ألف شهر ، تقول أمنّا عائشة رضي الله عنها فيما رواه الإمام أحمد في مسنده ، و النسائي ، و الترمذي ، و ابن ماجة ، كلهم في سننهم بأسانيد صحيحة أنها قالت : قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أقُولُ فِيها ؟ قَالَ: قُولي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ] .
فهذا مما يزيدنا معاشر المسلمين حرصا ألا تفوتنا هاته الليلة بخيرها و بركتها و نورها و هداها .
المحور الثاني :
فهو عن عظم الصدقة و فضلها في كل وقت ، لكن تتأكد الآن أكثر في هاته الأيام و الليالي المباركة .
يقول الله جل وعلا: [يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَ الْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ، وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ] البقرة :215.
وقال سبحانه: [ فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ]الزلزلة : 7 .
أيها المسلمون: إن الصدقة بابها واسع ، وطرقها كثيرة جداً ، فلا يتصور أحدكم ، بأن الصدقة هو أن تخرج مبلغا من المال من جيبك و تضعه في يد فقير أو مسكين ، نعم هذا من الصدقة ، ولكن مفهوم الصدقة في الإسلام أوسع من هذا ، يحدد هذا المفهوم ما رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة ،و تعين الرجل في دابته ، فتحمله عليها ،أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، و بكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ] .
ومن مجالات الصدقة أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة ،فكل تسبيحة صدقة ،و كل تحميدة صدقة ، و كل تهليلة صدقة ، و كل تكبيرة صدقة ،وأمر بالمعروف صدقة ، و نهي عن المنكر صدقة ، و يجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ].
و بهذه المناسبة نذكر المسلمين بصدقة الفطر و نقول لهم في كلام واضح مفيد ، عليهم من الآن أن يبدؤا التفكير في إخراجها و السؤال عن المحتاجين ، و لا يجوز لهم أن ينتظروا حتى يحدث لهم كما يحدث كل عام ، يأتي كثير من المسلمين بزكاة فطرهم بعد صلاة العيد ، فهذه لا تعدّ زكاة فطر ، و لا تؤدي الغرض الذي من أجله شرعت ، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة في صدقة من الصدقات" أخرجه أبو داود وابن ماجه بسند حسن.
هذا بلاغ للناس و ليعلموا أنه دين لا يجوز التهاون فيه و لا أن يعتذر رجل فيقول : لم أكن أعلم ذلك .
المحور الثالث :
يمكن أن يجتمع في يوم واحد عيد و جمعة ، و إذا حصل هذا فإننا نصلي الجمعة إن شاء الله تعالى و لا نتركها على الراجح من قول الجمهور من الحنفية و المالكية و الشافعية .
وصيتنا لأخواتنا المسلمات أن لا يتركن فرصة الأواخر هاته تمر عليهن مرور الكرام بل عليهن أن يتزودن منها فإنه لا يدري الانسان هل يعيش للعام القادم أم لا ؟
أسأل الله تعالى أن يعيننا على طاعته و العمل بمرضاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق