Translate

2016-06-29

مقدّمة عن القواعد الفقهية .

بسم الله الرحمن الرحيم :

إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً].
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ].


أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، و خيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلّم ، و شرَّ الأمور محدثاتها ، و كلَّ محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة ، و قانا الله و إيّاكم من البدع و الضلالات و أهلها ، و سلكنا في أهل السنّة و الجماعة ، و على رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم .

معاشر طلاب العلم و شداة المعرفة هذه مقدّمة نافعة عن القواعد الفقهية فيها فوائد نافعة إن شاء الله تعالى :

فإن علم القواعد الفقهية من أجَلِ العلوم الشرعية قدرا ، وأسماها قدرا ، وأعلاها شرفا وذكرا ، ولذا أعلى الأئمة من شأنه ، وأشادوا بمكانته وأهميته ، وبينوا حاجة الفقيه الماسة إلى الإلمام به وتعلمه .

- قال الإمام القرافي يرحمه الله : ( وهذه القواعد مهمة في الفقه ، عظيمة النفع ، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف ، ويظهر رونق ويعرف ، وتتضح مناهج الفتوى وتكشف ) [ الفروق : 1 /3 ].

- وقال الحافظ ابن رجب يرحمه الله : ( فهذه قواعد مهمة ، وفوائد جمة ، تضبط للفقيه أصول المذهب ، وتطلعه من مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيب ) [ القواعد : 1 / 4 ].

- وقال الإمام السيوطي يرحمه الله : ( أعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم ، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ، ومآخذه وأسراره ) [ الأشباه والنظائر : 6 ].

وتكمن أهمية هذا العلم في أمور عدة ، منها :

أولا :

أنها تضبط الأمور المنتشرة المتعددة ، وتنظمها في سلك واحد مما يتمكن من إدراك الروابط والصفات الجامعة بين الجزئيات المتفرقة ، فهي كما قال ابن رجب : ( تنظم له منثور المسائل في سلك واحد ، وتقيد له الشوارد ، وتقرب عليه كل متباعد ) [ القواعد : 1 / 4 ].

ثانيا :

أن ضبطها ييسر على الفقيه ضبط الفقه بأحكامه ، ويغنيه عن حفظ أكثر الجزئيات ، إذ إن حفظ جزئيات الفقه وفروعه يستحيل أن يقدر عليه إنسان خلافا للقواعد فإن حفظها وإن كثرت داخل تحت الإمكان ، ولذا قال القرافي يرحمه الله : ( من ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات ، لاندراجها في الكليات ) [ الفروق : 1 / 3 ].

ثالثا :

أن دراستها تكون عند المرء ملكة فقهية تنير أمامه الطريق لدراسة أبواب الفقه الواسعة والمتعددة ، ومعرفة الأحكام الشرعية ، واستنباط الحلول للوقائع المتجددة والمسائل النازلة ، ولذا أصبحت القواعد معينا ثرا للفقهاء ، ومبعث حركة دائمة ونشاط متجدد ، يبعد الفقه عن أن تتحجر مسائله ، وتتجمد قضاياه.
قال الإمام السيوطي يرحمه الله : ( أعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم ، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ، وآخذه وأسراره ، ويتمهد في فهمه واستحضاره ، ويقتدر على الإلحاق والتخريج ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة ، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على مر الزمان ) [ الأشباه والنظائر : 6 ].

رابعا :

أنها تمكن الفقيه من تخريج الفروع بطريقة سوية ، وتبعده عن التخبط والتناقض الذي قد يترتب على التخريج من المناسبات الجزئية ، وقد نقل تاج الدين السبكي عن والده قوله : ( وكم من آخر مستكثر في الفروع ومداركها قد أفرغ جمام ذهنه فيها ، غفل عن قاعدة كلية ، فتخبطت عليه تلك المدارك وصار حيران ، ومن وفقه الله بمزيد من العناية جمع بين الأمرين ، فيرى الأمر رأي العين ) [ الأشباه والنظائر : 1 / 309 ].


و الله الموفق لا ربّ سواه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق