قال الإمامُ أبو محمّد عبد الله ابن أبي جمرةَ الأندلسيّ المالكيّ، المتوفَّى سنة (699هـ) في شرحه على البخاريِّ المسمَّى: «بهجة النُّفوس وتحلِّيها بمعرفة ما لها وعليها»، ط1/1348هـ، مطبعة الصّدق الخيريَّة، مصر:
في (2/4): عندَ شرح «حديث أَنَسٍ في تَخفِيفِ الصَّلاةِ»:
«الوجه الثالث: فيه دليلٌ على تَحَرِّي الصحابة (رضي الله عنهم)...ما لم تَكُن تلك الزِّيادةُ مَحذورةً في الشَّرع، مثل: مَنعِنا الرَّابِعة في الوضوء، أو تَكُون تلك الزِّيادة لم يفعل هُوَ (صلى الله عليه وسلم) مِنهَا شيئًا، لِئَلاَّ نَخرُج بها إلى البدعةِ، وقد جاء فيهَا مِن الذَّمِّ ما جَاءَ، لقولِهِ (صلى الله عليه وسلم): « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ »، وقَولِهِ (عليه السَّلام): « كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»، وما أَشبهَهُ، ومِثلُ ذَلِكَ: اجتِمَاعُ النَّاسِ للدُّعَاءِ بعدَ الصَّلَوات، فهَذَا ومَا أَشبَهَهُ مِن البِدَع؛ لأَنَّهُ لَم يَأتِ أَنَّ النَّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) ولاَ مَن بَعدَهُ مِن الصَّحابةِ والتَّابِعِين فَعَلَ ذَلِكَ، ويَتَرَتَّبُ على تَقصيرِها مِن غَيرِ عُذرٍ أَنَّهُ جائزٌ، وأَنَّ الأَفضلَ ما كان يُدَاوِمُ هُوَ (صلى الله عليه وسلم) عَلَيهِ ومَن بَعدهُ مِن السَّلَفِ الصَّالِحِ»اهـ.
وقال (2/151): «...فانظُر مَعَ هَذَا البَيَانِ التَّامِّ الأَمْرَ كَيفَ هُو اليَومَ، مِمَّن يُنسَبُ إلى العِلمِ في الغَالِبِ، فكَيفَ بالغَيرِ؛ فقَد تَنَكَّرَتِ الطُّرُق، وعَادَ الحَقُّ في كثيرٍ مِن الأُمُورِ مَشكُوكًا فيهِ، وبَعضُهُ مَجْحُودًا، لِلعَوَائِدِ السُّوءِ الَّتِي كَثُرَت مِمَّن لَبَّسَ عَلَى النَّاسِ أَنَّهُم عُلماءُ وصَالِحُون، فإِنَّا للهِ وإِنَّا إِليهِ رَاجِعُون، ولِذَلِكَ قَالَ (صلّى الله عليه وسلم): «كَيفَ بِكَ يَا حُذَيفَةُ! إِذَا تُرِكَت بِدعةٌ، قَالُوا: تُرِكَ سُنَّة. فقَالَ: مَا تَأمُرُنِي إِن أَدركَنِي ذَلِكَ الزَّمَانُ؟ قَالَ: أَقرِضهُم مِن عِرضِكَ ليَومِ فَقدِكَ». مَعناهُ: افْعَل مَا هُوَ الحَقُّ والسُّنَّةُ، ودَعْهُم يَقُولُونَ مَا شَاؤُوا، فإِنَّكَ مَأجُورٌ فِي كَونِهِم يَأخُذُون فِي عِرضِكَ بغَيرِ حَقٍّ شَرعِيٍّ»اهـ.
وقال (2/188)، في شَرحِ :[ حَدِيثِ حِرَاسَةِ مَكَّةَ والمدينة مِن الدَّجَّال ]:
[ وفِيهِ تَنبيهٌ أَن يَنظُرَ كُلُّ شَخصٍ فِي أَمرِ نَفسِهِ فِي زَمَانِهِ؛ لأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ لاَ يَخلُو مِن دَجَاجِلَةٍ، فيَكُونُ مِن أَتبَاعِهِم وهُو لاَ يَعلَمُ، ويَظُنُّ أَنَّهُ قَد سَلِمَ مِنَ الدَّجَّالِ وهُو مِن أَتبَاعِهِ، أَو هُو نَفسُهُ مِن الدَّجَاجِلَةِ، ولاَ يَعرِفُ ذَلِكَ إِلاَّ بإِقَامَةِ مِيزَانِ (الكِتابِ والسُّنَّةِ) عَلَى نَفسِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا تَأَوَّلَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ (رحمهم الله)، وإِلاَّ يَكُونُ مُستَدرَجًا وهُو لاَ يَعلَمُ، فيَدخُلُ تَحتَ قَولِهِ (عَزَّ وجَلَّ): ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾، وإلَى هَذَا المَعنى إِشَارَتُهُ (عليهِ السَّلام) بقَولِهِ:«حَاسِبُوا أَنفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا» ، وَلْيَلْزَمِ الأَدَبَ والخَوفَ، فالأَمرُ واللهِ عَظِيمٌ ، وقَد أَصبَحْنَا فِي زَمَانٍ تَغَيَّرَت فِيهِ أَعلامُ الخَيرِ، وتَشَعَّبَت طُرُقُهُ، وقَلَّ فِيهِ السَّالِكُون وإِليهِ الدَّاعُون، فَتَدَاركنا الله باللُّطفِ مِنهُ بفَضلِهِ»اهـ.
وفقنا الله جميعا لاتباع سنته، و إحياء ما مات منها و اندرس ، إذن تكون العاقبة لنا و للمتقين ، و لا عدوان إلاّ على الظالمين المحرّفين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق