Translate

2017-03-21

مكتبة الظاهرية التي حضرت فيها دبلوم الماجستير في الشريعة .

بسم الله الرحمن الرحيم :

لقد من الله علي إذ أكرمني بسلوك طريق طلب العلم ، و الهجرة في سبيل طلبه ، و إنفاق ما ظفرت به طوال حياتي ، فأكرمني الله فوق ذلك بلقاء كوكبة من أهل العلم أعد ذلك غنيمة حياتي ، و بؤبؤ العين .

و ترددت على أماكن كثيرة ، لي فيها أسعد اللحظات ، التي لا تقدر بثمن ، و من أحلى الذكريات ما كان في المكتبة الظاهرية التي كنت أجلس فيها يوما كاملا ، أتصفح كتب أهل العلم الثقات الذين تركوا لنا ميراثا هائلا ، و علما نافعا ، من الخير ، و إليكم صورة عنها لتعيش بعض ما عشته ، و ليس الخبر كالمعاينة :

و إليكم تعريفا بها و تاريخا مختصرا عنها :

تقع المدرسة الظاهرية في حي العمارة في دمشق القديمة، قبالة المدرسة العدلية الكبرى، بين بابي الفرج والفراديس وكان يطلق عليها سابقاً باب البريد، ويلاصقها حمام الظاهر بيبرس، حيث شيدها السعيد ابن الملك الظاهر بيبرس سنة 678 هجرية الموافق لـ 1276 ميلادية, - منذ 743 سنة- إلى أن نقل جثمان الظاهر وولده السعيد من القلعة إليها، ولذلك فإن أغلب المباني التي شيدها الأيوبيون والمماليك وأمرائهم تضم مقابرهم، فالعدلية تضم قبر الملك العادل، والعزيزية تضم قبر صلاح الدين الأيوبي.

وفي وصف بناء المكتبة وأقسامها إلى أنه حينما تهم بالدخول إلى الظاهرية تتوقف متأملاً المشهد وتضطر للنظر في اتجاهين متعاكسين الأول نحو الظاهرية والأخر نحو العدلية الكبرى، وعندما تقف أمام البنائين يذهلك الانسجام بينهما كأنما أراد المصمم أن يؤلف وحدة معمارية يكمل فيها جمال الأولى وروعة الثانية.

وتعتبر المكتبة الظاهرية من الابنية التاريخية التي ما زالت تحتفظ بالكثير من النقوش والكتابات على جدرانها وابوابها ولعل واجهتي الظاهرية من اجمل ما بنى المماليك فهما مشيدتان بالاحجار المنحوتة وفي اعلاهما كوى مستديرة تحيط بها زخارف هندسية. اما المدخل الرئيسي فهو مبني باحجار بيضاء وصفراء .

وإن واجهة المدرسة الظاهرية أجمل من العدلية بل تعتبر أجمل ما بنى المماليك، إذ بني المدخل من الحجارة البيضاء والوردية اللون، وتعلو الباب ثلاثة صفوف عريضة ورد فيها وقفها وأسماء بناتها، وبعد أن تجتاز المدخل يأتي رواق ممر محدد بجدار وصف من الأعمدة يحيط بالفناء الداخلي في القصور الدمشقية القديمة ذي أقواس محمولة على عمودين حجريين كبيرين، وهذا الرواق مستوحى من بناء المسجد الذي يسبق دخوله محطة تمهيدية ينقل فيها المرء من عالم المادة إلى عالم الروح. أما قاعة الضريح للظاهر بيبرس التي أقيمت حولها خزائن الكتب فهي مربعة الشكل وتكسو جدرانها زخارف مرمرية ملونة من الفسيفساء الزجاجية مكا تزدان أقواس الشبابيك بالفسيفساء.
وكانت أول وأكبر مكتبة عرفت في ديار الشام بما حوته من نوادر الكتب والمخطوطات. وتضم المكتبة ثلاث قاعات قاعة الأمير مصطفى الشهابي وقاعة الشيخ طاهر الجزائري وقاعة خليل مردم ، كما يوجد بها ثلاث مستودعات:

الأول للمخطوطات: ويقوم في القبة الظاهرية ويضمُ مجموعة ضخمة من المخطوطات من شتى العلوم.
الثاني للمطبوعات: ويضم الكتب المشتراة والمهداة إلى الدار.
الثالث للدوريات: ويضم الصحف والمجلات والنشرات والتقارير العربية والأجنبية.

ويؤم المكتبة الطلاب من المرحلة الإعدادية حتى الجامعية ، أما قاعة مردم فهي خاصة بالباحثين والمؤلفين حيث توضع تحت تصرفهم كافة المراجع والمخطوطات والكتب القيمة لإنجاز أبحاثهم. ويبلغ رواد المكتبة في العام الواحد وسطيا حوالي 45 الف طالب علم وتبلغ عدد الكتب المعارة في السنة الواحدة 30 الف كتاب.


كما بلغ عدد الكتب الموجودة في المكتبة الظاهرية 72 الف كتاب وما يقرب من 85 الف مجلة مقسمة الى اصول وفروع حسب علاقتها بذلك الاصل وهذه الاصول عبارة عن ثمانية عشر صنفا تضم 53 فرعا جميعها في الخزائن. أما قسم المخطوطات والحديث للقائمين على المكتبة فقد بلغت محتوياته 13 الف مخطوط قديم ونادر واقدم المخطوطات كتاب مسائل الامام احمد بن خليل المنسوخ في عام 260 هجري وتضم المكتبة كذلك قسما خاصا بالصحف والمجلات وأمهات الكتب والدوريات والمعاجم.

جدير ذكره إن المكتبة الظاهرية تحتوي لمخطوطات ذات قيمة علمية في مختلف الفنون ، مثل كتاب (القانون في الطب) لابن سينا (طبعة عام 1593م)، و(الكليات) لأبي البقاء الكفوي (طبعة عام 1280هـ)، و( تاريخ الدول الإسلامية في المغرب لابن خلدون) (طبع عام 1297هـ) و(لسان العرب) لابن منظور (طبعة عام 1300هـ) و(الناسخ والمنسوخ في كتاب الله) للإمام قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى سنة 117هـ، وكتاب (المهذب في الكحل المجرب) توجد منه نسخة فريدة في الفاتيكان وأخرى عثر عليها مؤخراً في دمشق في المكتبة الظاهرية و(الكتاب الشامل في الطب) جزء واحد ناقص، ونقلت تلك المخطوطات جميعها وغيرها إلى المكتبة الوطنية الأخت التوأم للظاهرية، والتي تشاطرها المهمة الثقافية السامية سنة 1980 م.

كما تحتوي المكتبة على عدد من المخطوطات الجزائرية والمغاربية والتي يمكن الإشارة إلى بعضها:


-أحمد بن يحيى التلمساني، سكردان السلطان.
-أحمد بن محمد التلمساني المقري، أزهار الرياض في أخبار عياض.
-الثعالبي، ثمار القلوب في المضاف والمنسوب.
- محي الدين أبو العباس أحمد بن علي القرشي المغربي المعروف بالبوني، كتاب في تعبير الرؤيا.
-أبو زيد عبد الرحمن بن أبي غالب بن عبد الرحمن الجادري المديوني الموقت في مسجد القرويين بفاس، رسالة في علم الرمل.
- محي الدين ابن أبي شكر المغربي، نبذة من كلام الفلاسفة.
-أحمد بن حسين بن علي بن الخطيب، حواشي على رقائق الحقائق في حساب الدرج والدقائق.
-عبد الرحمن أبو القاسم المعروف بابن الخطيب، جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس.
-ابن حزم الأندلسي رسالة في مداواة النفوس.
-إبراهيم بن محمد بن محمد المغربي الأندلسي، تمرين الناقلين في أحوال النيرين.
-أحمد الخفاجي، خبايا الزوايا فيما في الرجال من البقايا.
-محمد الأندلسي، غريب القرآن.
-محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي، ارتشاف الضرب في لسان العرب.
-أحمد بن ميرها القرطبي، المنتفى لأهل التقى.
-عبد المجيد بن عبدون الأندلسي، لجاجة الزهر وفريدة الدهر.


النشأة والتأسيس :

إن المباني التي شيدها الأيوبيون والمماليك يتراوح حجمها وفخامتها تبعاً لطبيعة حكم السلطان من حيث استقراره في الحكم، لذلك قامت الظاهرية على دار من أعظم دور دمشق وأكثرها شهرة، وهي تدعى بدار العقيقي لصاحبها أحمد بن الحسن العقيقي المتوفى سنة 378هـ، وعندما حلَّت الأسرة الأيوبية في دمشق سكن فيها نجم الدين أيوب والد السلطان صلاح الدين وأخيه الملك العادل.

وحين دخل صلاح الدين الأيوبي دمشق سنة 569هـ بعد وفاة السلطان نور الدين الزنكي نزل بدار والده، وأثناء أفول الدولة الأيوبية انتقلت هذه الدار إلى الأمير فارس الدين أقطاي، ومن ورثته اشتراها الملك السعيد، وبنى فيها القبة لكي يدفن والده الملك الظاهر، وأمر بجعلها مدرسة يؤمها طلاب العلم من كل الأرجاء، ثم عزل الملك السعيد كما عزل أخوه بعده، وأصبح الحاكم في دولة المماليك السلطان قلاوون، الذي أمر باستمرار البناء في المدرسة، وقد انتهى سنة 680هـ، وفي ربيع الأول من ذلك العام وصلت أرملة الظاهر بيبرس ومعها جثمان ابنها السعيد فدفنته إلى جانب أبيه، من هنا، فإن أغلب المباني التي شيدها الأيوبيون والمماليك وأمراؤهم تضم مقابرهم، كما هو الحال، في المدرسة العادلية الكبرى التي تضم ضريح الملك العادل.

فتحت المكتبة أبوابها لأول مرة يوم الأربعاء 13 صفر سنة 677هـ، وكانت مركزاً مهماً لتدريس الفقه على المذهبين الحنفي والشافعي وألقى فيها الشيخ (رشيد الفاروقي) مدرس الشافعية الدرس الأول في الإيوان الشرقي، بينما ألقى الشيخ الحنفي (صدر الدين سليمان بن أبي العز) الدرس الأول في الإيوان القبلي، وقد درّس في هذه المدرسة منذ القرن السابع إلى القرن الثالث عشر الهجري علماء دين بارزون، من أمثال الأذرعي، والسمرقندي، وأبو اسحق اللوري، والواسطي، وابن الجابي، والفزاري، والناسخ، وابن شهيد وغيرهم.

بدأت المدرسة مرحلة جديدة من تاريخها خلال فترة الحكم العثماني، فقد حوّلت إلى مدرسة ابتدائية حملت اسم: مدرسة الملك الظاهر 1294هـ.
ثم كان القرار التاريخي الهام بتحويلها إلى مكتبة عامة، وذلك من قبل مفتش التعليم في دمشق الشيخ طاهر الجزائري مع الشيخ سليم الحجازي وذلك في سنة 1295هـ- 1877م وبدأ مع زملائه بجمع المخطوطات من الدور الخاصة، والمكتبات المتفرقة.


ومن شدة خوف الشيخ الجزائري على الكتب والمخطوطات النادرة جمع الكتب الوقفية جميعها في المدرسة الظاهرية وبلغ عددها (2453) كتاباً ومخطوطة، وسميت في العهد العثماني بالمكتبة العمومية، وكانت أول وأكبر مكتبة عرفت في ديار الشام بما حوته من نوادر الكتب والمخطوطات.
و إليكم بعض الصور الممتعة عنها :











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق