بسم الله الرحمن الرحيم
: مقدمة هامة
:علم أصول الفقه هو من علم الوسائل وسميت بذلك لأنها
ـ1ـ وسائل لضبط العـلوم الأصلية وفهمها كما كان يفهمها الصحابة رضي الله عنهم، فالتجويد والتفسير وسائل لتلاوة القرآن وفهمه
على الوجه الصحيح، ومصطلح الحديث وسيلة لتمييز مايُقبل من الحديث ومايُرد منه
ـ2ـ ولأنها وسائل لاستخراج العلوم المستنبطة كالفقه من العلوم الأصلية ، فهى وسائل لاستخراج علم من علم
:وعلوم الوسائل أربعة ،
أ ــ علوم القرآن : ومنها التجويد والتفسير والغريب وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وغيرها ، وقد بلغ بها السيوطي ثمانين نوعاً
من علوم القرآن في كتابه : الإتقان في علوم القرآن
ب ــ علوم الحديث (علم الحديث دراية، أو مصطلح الحديث) ومنها (أقسام الحديث المختلفة، والغريب والمعاجم وشروح الحديث وعلم الرجال بشقيه: تواريخ الرواة والجرح والتعديل، وغيرها) وقد بلغ بها ابن الصلاح خمسة وستين نوعا من علوم الحديث في (مقدمته)، وقال السيوطي ــ في تدريب الراوي ــ إنها يمكن أن تكثر كثيرا بالتفريعات
جـ ــ علوم اللغة العربية : النحو والصرف والبلاغة واللغة والأدب
د ــ أصول الفقه : الحاكم ، وأدلة الأحكام ــ المحكوم به ــ، وطرق الاستنباط من الأدلة، والمحكوم فيه، والمحكوم عليه ومايعرض له
و هذه العلوم ــ علوم الوسائل ــ لا يحتاجها العامة ، فهى ليست من فروض العين ، و إنما يحتاجها طالب العلم الساعي لتحصيل رتبة الاجتهاد في الشريعة وذلك لأنها من أدوات الاجتهاد
و تعتبر العلوم الأصلية و المستنبطة علوماً مقصودة لذاتها ، أما علوم الوسائل فمقصودة لغيرها
:وقد وضعت علوم الوسائل هذه بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم لاستغنائهم عنها، والحق أن غرض العلماء من وضع هذه العلوم : [ علوم القرآن، ومصطلح الحديث، وقواعد اللغة، وأصول الفقه ] هو أن يفهم العالم النصوص كما فهمها الصحابة فيتبع سبيلهم ولا يشذ عنهم ، و بهذا يُحفظ الدين من التبديل والتحريف و يسير الآخر على نهج الأول ، فإن فعلوا ذلك رشدوا وإلا ضلّوا
قال ابن كثير رحمه الله : [ قال عمر لابن عباس: كيف يختلفون وإلههم واحد وكتابهم واحد وملتهم واحدة؟، فقال: إنه سيجئ قوم
لايفهمون القرآن كما نفهمه ، فيختلفون فيه ، فإذا اختلفـوا فيه اقتتلــوا. فأقرّ عمر بن الخطاب بذلك.) (البداية والنهاية) 7/ 276
فالفتنة والفساد يأتيان من عدم فهم النصوص : [ الكتاب والسنة ] كما فهمهما الصحابة فيؤدي هذا إلى الإحداث في الدين ومايعقبه من الاختلاف والتفرق، ومن هنا وضع العلماء علوم الوسائل لضبط فهم نصوص الكتاب والسنة ولضبط الاستنباط منها
ومما يبيّن أهمية علوم الوسائل في حفظ الدين مارواه ابن عديّ الجرجاني رحمه الله في كتاب [ الكامل في ضعفاء الرجال] قال : أنبأنا عبدالله بن العباس الطيالسي قال: سمعت هلال بن العلاء يقول: منَّ الله على هذه الأمة بأربعة ولولاهم لهلك الناس
منَّ الله عليهم بالشافعي، حتى بيَّن الـمُجْمَل من المفسَّر، والخاص من العام والناسخ من المنسوخ، ولولاه لهلك الناس
ومنَّ الله عليهم بأحمد بن حنبل حتى صبر في المحنة والضرب فنظر غيره إليه فصبر، ولم يقولوا بخلق القرآن، ولولاه لهلك الناس
ومنَّ الله عليهم بيحيي بن معين حتى بيَّن الضعفاء من الثقات، ولولاه لهلك الناس
ومنَّ الله عليهم بأبي عبيد حتى فسَّر غريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولاه لهلك الناس) (الكامل في الضعفاء) 1/119، ط دار الفكر 1409هـ
وروي ابن عدي أيضا عن محمد بن سيرين قال: لقد أتى على الناس زمان ومايُسأل عن إسناد حديث، حتى وقعت الفتنة، فلما وقع الفتنة سئل عن إسناد الحديث ليُنظر من كان من أهل السنة
أخِذ بحديثه، ومن كان من أهل البدعة ترك حديثه). ويقصد بالفتنة ظهور الفرق الضالة ووضعها للأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال ابن عدي : قال ابن المبارك: الإسناد من الدين ، و لولا ذلك لقال من شاء ماشاء. رواه مسلم في مقدمة صحيحه
و تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية في سبب وضع العلماء لعلوم الوسائل، فقال رحمه الله: [ ونظير هذا في العلم : علم الأسماء واللغات، فإن المقصود بمعرفة النحو واللغة التوصّل إلى فهم كتاب الله وسنة رسوله وغير ذلك ، و أن ينحو الرجل بكلامه نحو كلام العرب. والصحابة لما استغنوا عن النحو، واحتاج إليه من بعدهم، صار لهم من الكلام في قوانين العربية مالا يوجد مثله للصحابة لنقصهم وكمال الصحابة، وكذلك صار لهم من الكلام في أسماء الرجال وأخبارهم مالا يوجد مثله للصحابة، لأن هذه وسائل تطلب لغيرها، فكذلك كثير من النظر والبحث احتاج إليه كثير من المتأخرين، واستغنى عنه الصحابة . وكذلك ترجمة القرآن لمن لايفهمه بالعربية، يحتاج إليه من لغته فارسية وتركية ورومية. والصحابة لما كانوا عرباً استغنوا عن ذلك . وكذلك كثير من التفسير والغريب يحتاج إليه كثير من الناس والصحابة استغنوا عنه . فمن جعل النحو ومعرفة الرجال، والاصطلاحات النظرية والجدلية المعينة على النظر والمناظرة، مقصودة لنفسها، رأي أصحابها أعلم من الصحابة، كما يظنه كثير ممن أعمى الله بصيرته. ومن علم أنها مقصودة لغيرها، علم أن الصحابة الذين علموا المقصود بهذه، أفضل ممن لم تكن معرفتهم مثلهم في معرفة المقصود، وإن كان بارعاً في الوسائل.] (منهاج السنة النبوية) لابن تيمية، تحقيق د . محمد رشاد سالم، ط 1406 هـ، جـ 8 صـ 205 ــ 206
فالعلم مطلوب ، و الفهم عن الله و رسوله صلى الله عليه وسلّم يحتاج إلى نفس لها دربة و مكنة لاستنباط الأحكام الشرعية و الاستنباط يسبقه الفهم المنضبط الصحيح ، و إلا حصل الزلل و الفتنة و الضلال
وفقنا الله تعالى لما يحبه و يرضاه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق