بسم الله الرحمن الرحيم:
قال الله تبارك و تعالى : (و لا تستوي الحسنةُ و لا السيئةُ ) ، و قال تعالى أيضا : (أفنجعلُ المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون ).
ينفى الله تبارك و تعالى أن يكون العمل الصالح كالعمل الفاسد ، و لا أصحاب العمل الصالح كأصحاب العمل الفاسد ، و هذا أمر مركوز في الفطر الصحيحة و العقول السليمة ، من هذا المنطلق نقول إنَّ الشعر باعتباره لونا من ألوان الأدب الرفيع ، سلاح ذو حدّين ، قد يستخدم في الخير بنصرة الحق و إعلاء منارة الصَّلاح في المجتمع ، و قد يكون أداة هدم و فساد للمجتمع بنشر التحلل الخلقي و الفساد الإجتماعي ، بل قد يصل صاحبه إلى درجة الدعوة إلى الإلحاد -و العياذ بالله تعالى -كل هذا وارد ، و لقد ضرب شعراء الإسلام سهما وافرا في نصرة الإسلام و رسول الإسلام في بداية الدعوة ، و توالت الأيَّام إلى عصرنا هذا ، الذي كثرت فيه المغريات بشكل فاضح ، و أصبح بريق الدرهم و الدينار يذهب بالألباب و يخطف الأبصار ، لكنَّ الله تعالى نجَّى رجالا من اتباع هذا الطريق فألهمهم حبَّ الإسلام و الدفاع عنه بجميع الوسائل المقدورة لهم ، و من خلال هؤلاء أنشدنا شعراء الصحوة الإسلامية في العصر الحديث قصائد عصماء في بيان حال المسلمين و الواقع الذي ألّم بهم ، و سبيل النجاة من هذا الذل المخزي ، و بيان حال الغربة التي يعيشها المسلم بدينه و عقيدته وسط هذا الركام من الفساد و الانحلال ، و الطغيان السياسي ، و البعد عن شرائع الدين في بلاد فتحها طارق و من قبله خالد و أبوعبيدة و سعد و غيرهم كثير رضي الله عنهم و أرضاهم ، و قد أبلى هؤلاء الشعراء و الدعاة بلاء حسنا في هذا المضمار ، فنسأل الله أن يجزيهم خيرا على ما قدّموا لأمتهم .
ونعيش اليوم مع قصيدة للشاعر الكبير نجيب الكيلانى -رحمه الله - و التي عنونها بـ " أنا المهاجر " .
أنا المهاجــــــــــــــــــــــــــــــــر :
- أنا المهاجر من أرض قد احترقت *** جناتها الخضر من ظلم و طغيان
- سافرت والركب خاو لا متاع به *** سوى دموعى و آهاتى و أحزاني
- و ذكريات عذاب لى مؤ رّقـــــة *** و ظلمة خلف أسوار و قضبـــان
- و طغمة أسلمت للشر مقودهـــــــا *** لم تعط بيعتها إلاّ لشيطــــــــــان
- قالت حبيبة قلبى وهى باكيــــــــــة *** و قلبها يتلظى مثل بركـــــــــــان
- هيّا حبيبى بلاد الله واسعـــــــــــــة *** دعنا نودّع أوطانا لأوطــــــــــان
- الشام داري و فى شط الخليج لنــــا *** أهل كرام و في عمّـــــــان إخواني
- و القدس حاضرتى الشمّاء من قدم *** و في المدينة آمالى و إيمانــــــــــي
- يا طالما انجذبت روحى لساكنهــــا *** وهام في الرضة الفيحاء وجداني
- لا تسألوا عن ديارى أين موقعهـا *** محمد سيد الأكوان عنوانــــــــــي
- و حيثما ارتفعت لله سا ريــــــــــــة *** ألقيت رحلي وآمالى وركبـــانـــي
- و لست أبغي سوى الإسلام لى وطنا *** الشام فيه و وادي النيل سيّـــــــــان
- هذي الحدود التي عاقت توحدنــــا *** أنّى توجهت ألقــــاهـا و تلقــا نـــــي
- في كل صقع سيــاسات و فلسفــــــة *** و هرطقات وإذعان لأوثــــــــــان
- تراجعت قيـــم التوحيــد وا أسفـــــا *** و كيف يشمخ مجدٌ دون أركــــان
-و كيف يحمي حمى الأوطان مرتزق *** و كيف يسمقُ فيها أي بنيــــــــــــان
- المؤمنُ سيــــفٌ لا يُفــــــَـــــــلُّ و لا *** يعنــو لزخرف هذا العالم الفانـــي
-إنّى أنادي جنود الله كى يثبـــــــــــوا *** من أجل دينهموا في بعثه الثانــــي .
-رحمك- الله - أيها الشاعر الفذُّ ، فلقد صورت واقعنا أدق تصوير ، و هذه هي لغة الشعر الحقيقية الصادقة ، لمّا تسمو عن سفاسف الدنيا و زخرفها ، و لمَّا تبتعد عمّا يريده دعاة الحداثة و الميوعة ، و تنطلق من عقيدة المسلم و ما يعيشه من هموم تجاه دينه و إخوانه .
و الله أسأل أن يصلح أحوالنا ، و الله الموفق لا رب سواه .
و إلى جديد قادم بحول الله تعالى و قوته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق