بسم الله الرحمن الرحيم:
أما بعد :
أيها المسلمون ، إننا نعيش في أسوء عصر عرفته الحضارة الإسلامية ، من حيث الفساد المستشري بين المسلمين ، حكاما و محكومين ، مثقفين و جهلة ، عوام و علماء ، عربا و عجما ، و الذلة التي ضربها الله على المسلمين شرقا و غربا ، حيث صار الدين عند البعض عورة يجب أن يسترها ، و ليست عقيدة يدافع عنها ، و يعتز و يفتخر بها ، بل صار الدين عند بعضهم مجالا للتلاعب و الأخذ و الرد في سبيل مصلحة آنية ، فاتقوا الله أيها الناس و أفيقوا قبل أن لا تجدوا لا دينا و لا إسلاما ، أين المسلمون اليوم في مجالات العلوم و الأخلاق و الفكر و الحضارة و المدنية الراقية .
أيها الناس إننا نخاطب فيكم ما تبقى من دينكم و أخلاقكم ، أنتبهوا لما يحاك حولكم ، إنه يراد لكم أن تعيشوا و أبناءكم بدون دين ، فهل أنتم منتبهون ؟
مَلكنـا هـذهِ الدنيا قُرونـاً *** وأخضَعَها جدودٌ خالِـدونـاَ
وسطَّرنا صحائفَ من ضياءٍ *** فما نسيَ الزمانُ ولا نسينـا
وكنُّـا حيـنَ يرمينـا أناسٌ *** نُـؤدِّبهمْ أبـاةً قـادريـنـا
وكنَّـا حيـنَ يأخُذنـا ولي *** بطغيانٍ ندوسُ لـهُ الجبينـا
تفيضُ قُلوبُنا بالهديِ بأسـاً *** فما نُغضي عن الظلمِ الجُفونا
وما فتىءَ الزمانُ يدور حتى *** مضى بالمجدِ قومٌ آخرونـا
وأصبحَ لا يُرى في الركبِ قومي *** وقد عاشوا أئِمَّتَهُ سنينـا
وآلمنـي وآلـمَ كـلِّ حـرٍ *** سؤالُ الدهرِ: أين المسلمونا ؟
هل أنتم منتهون عما تقومون به من دعاية خاطئة عن دينكم من خلال الأخلاق التي نراها اليوم ، و تجد لها مكانا بين المسلمين ، و هل أنتم منتهون عن ترك دينكم و عدم تعلمه و ترك أبنائكم يرطنون بلغة الأجنبي ، و تتركون لغة كتاب ربكم اللغة العربية الشريفة لا تتعلمونها و لا تعلموها أبناءكم ، يا ويلنا من الله ، يا ويلنا من الله ، إن نسينا لغتنا كما نسينا ديننا ، خيرُنا من يعرفُ كيف يقرأ شيئا من القرآن دون خطأ في المصحف ، أهذا الذي أراده الله مِنَّا ، حين اختارنا خير أمة أخرجت للناس ، أهذا الذي أراده رسوله صلى الله عليه وسلم حين قال :[ خيركم من تعلم القرآن و علّمه] .
أسأل الله أن يعرفنا نعمه بدوامها و أن لا يعرفنا إياها بزوالها .
من أجل هذا يدرك المخلصون بسهولة ويسر أن المأساة الكبرى فى واقع المسلمين اليوم هى تقصيرهم البالغ فى خدمة دينهم...فلا هم أحسنوا تطبيقه بمجموعهم ولا هم أحسنوا عرضه لغير المسلمين بل انكمش تمدد الدين بجناية المنتمين إليه عليه ولولا سهولة تعاليم الدين الإسلامي وتجاوبه مع الفطرة لتوقف ولكن رعاية الله تحوطه وترعاه...صحيح أن هذه الرعاية الإلهية جعلت الإسلام ينتصر دينا لكن تقصير المسلمين هزم الإسلام كدولة .
ودار الزمان وتساءل الدهر:
أين المسلمون؟
أين المسلمون؟
أين المسلمون؟
أين شبابه الذين دكوا حصون أعدائهم؟
أين شبابه الذين كانوا رهبانا بالليل فرسانا بالنهار؟ أين شبابه الذين ما عرفوا الأغاني مائعات؟ أين شبابه الذين ما عرفوا الخلاعة والمجون؟ أين شبابه الذين كانوا لا يتبجحون فى كل أمر خطير ليقال عنهم مثقفون؟ أين شبابه الذين كانوا يأبون أن تقيدهم الشهوات والأغلال ؟
فالمطلوب اليوم العمل الصالح الخالص لوجه الله تعالى ، و نقلل من كثرة اللغو و الكلام الذي لا ينفع دنيا و لا أخرى .
لهذا فإن من العلم الواجب على كل مسلم ومسلمة معرفته والعمل به تعلُّمَ شروط قَبول العمل عند الله سبحانه وتعالى؛ فالعمل لا يكون صحيحًا حتى تتوفر فيه ثلاثة شروط انعقد عليها إجماعُ علماءِ الأمَّة من زمن الصحابة إلى يومِنا هذا، ودلَّت عليها الأدلةُ الصحيحة الصريحة الكثيرة من كتاب الله - سبحانه وتعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم.
الشرط الأول:
الإسلام: و هو الاستسلام لله -تعالى- بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشِّرك وأهله، وبمعنى آخر: هو الانقيادُ لأوامر الله برضًا وإخلاص؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، ولا يكون الإنسانُ تقيًّا حتى يكونَ مسلمًا، و تقبُّلُ الأعمالِ محصورٌ في المسلمين المتَّقين.
الشرط الثاني:
الإخلاص: و هو الابتغاءُ بالعبادة وجهَ الله وثوابَه دون رياءٍ ولا سمعةٍ ولا مصلحة دنيوية؛ قال الله -تعالى-: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]، وقال - سبحانه -: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 2، 3].
الشرط الثالث:
الاتّبَاع: وهو موافقةُ العمل لسنَّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال -تعالى-: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، وقال اللهُ -تعالى-: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7]، وقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: مَن أحدَث في أمرِنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ ؛ أي : مَن خالَف سنَّةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في العبادةِ ، فعملُه غيرُ مقبول.
نسأل الله - تعالى - أن يجعَلَنا من المسلمين المخلِصين المتَّبِعين، وأن يتقبَّلَ أعمالنا؛ إنه جوَادٌ كريم، و أن يردنا إلى دينه ردا جميلا ، و آخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، مؤيد رسله بالوحي و النصر المبين .
أما بعد :
أيها الناس فكروا جيدا و اعلموا أنكم ستلقون ربكم من غدكم ، فإما جنة أو نار ، فلا يلعبن بكم الشيطان فيغركم عن دينكم و أخلاقكم ، و لو جلبت لك الدنيا بحذافيرها .
اعلموا رحمكم الله تعالى أن الله رحيم بكم إذ أكرمكم بخير نبي أرسل ، و خير شريعة منزلة ، فيها الخير و النور و البركة و الرحمة ، فتعلموها و اعملوا بها ، فإن الدنيا لن تبقى لأحد و لو بقيت لبقيت لمن سبقكم .
أيها الناس إن الله و ملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما .
دعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق