Translate

2014-05-15

الدرس التاسع من سلسلة علوم القرآن الكريم .


بسم الله الرحمن الرحيم :


الدرس التاسع من سلسلة علوم القرآن الكريم .



درس اليوم : جمع القرآن .

يُطلق جمع القرآن ويُراد به عند العلماء أحد معنيين..


المعنى الأولى: جمعه بمعنى حفظه ، و جُمَّاعُ القرآن: حُفَاظُهُ ، و هذا المعنى هو الذي ورد في قوله تعالى في خطابه لنبيه -صلى الله عليه و سلّم- و قد كان يحرِّك شفتيه و لسانه بالقرآن إذا نزل عليه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي حرصًا على أن يحفظه : [ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ, فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ, ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ] عن ابن عباس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرِّك به لسانه وشفتيه مخافة أن ينفلت منه ، يريد أن يحفظه، فأنزل الله: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ, إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال: يقول إن علينا أن نجمعه في صدرك ثم نقرأه: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} يقول: إذا أنزلناه عليك: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فاستمع له وأنصت { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أن نبينه بلسانك. وفي لفظ: علينا أن نقرأه، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق -وفي لفظ: استمع- فإذا ذهب قرأه كما وعد الله .


المعنى الثاني: 



جمع القرآن بمعنى كتابته كله، مفرَّق الآيات  والسور، أو 

مرتب الآيات فقط، وكل سورة، في صحيفة على حدة، أومرتب 

الآيات والسور في صحائف مجتمعة تضم السور جميعًا وقد 

رُتِّب إحداها بعد الأخرى.

جمع القرآن بمعنى حفظه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم:

1- "أ" جمع القرآن بمعنى حفظه على عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مولعًا بالوحي ، يترقب نزوله عليه بشوق ، فيحفظه و يفهمه ، مصداقًا لوعد الله: [ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ]، فكان بذلك أول الحُفَّاظ، ولصحابته فيه الأسوة الحسنة، شغفًا بأصل الدين ومصدر الرسالة، وقد نزل القرآن في بضع وعشرين سنة، فربما نزلت الآية المفردة، وربما نزلت آيات عدة إلى عشر، وكلما نزلت آية حُفِظت في الصدور، ووعتها القلوب، والأمة العربية كانت بسجيتها قوية الذاكرة، تستعيض عن أميتها في كتابة أخبارها وأشعارها وأنسابها بسجل صدورها.
وقد أورد البخاري في صحيحه بثلاث روايات سبعة من الحفَّاظ، هم: عبد الله بن مسعود، وسالم بن معقل مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأُبَيُّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد بن السكن، وأبو الدرداء.
1- عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأُبَيِّ بن كعب" رواه البخاري .
 وهؤلاء الأربعة: اثنان من المهاجرين هما: عبد الله بن مسعود وسالم، واثنان من الأنصار هما: معاذ وأُبَي.
2- وعن قتادة قال: "سألت أنس بن مالك: مَن جمع القرآن على عهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أربعة ، كلهم من الأنصار: أُبَي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قلت: مَن أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي " رواه البخاري .
3- ورُوِي من طريق ثابت عن أنس كذلك قال: "مات النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ، و معاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد"رواه البخاري .
وأبو زيد المذكور في هذه الأحاديث جاء بيانه فيما نقله ابن حجر بإسناد على شرط البخاري عن أنس: أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه: قيس بن السكن، قال: وكان رجلًا منا من بني عدي بن النجار أحد عمومتي، ومات ولم يدع عقبًا ونحن ورثناه.
وبين ابن حجر في ترجمة سعيد بن عبيد أنه من الحفّاظ ، وأنه كان يُلقَّب بالقارئ .انظر كتاب ، الإصابة.
وذكر هؤلاء الحفاظ السبعة. أو الثمانية، لا يعني الحصر، فإن النصوص الواردة في كتب السير والسُّنن تدل على أن الصحابة كانوا يتنافسون في حفظ القرآن، ويُحَفِّظونه أزواجهم وأولادهم. ويقرءون به في صلواتهم بجوف الليل، حتى يُسمع لهم دوي كدوي النحل، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمر على بيوت الأنصار، ويستمع إلى ندى أصواتهم بالقراءة في بيوتهم، عن أبي موسى الأشعري: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: "لو رأيتني البارحة وأنا أستمع لقراءتك؟ لقد أُعْطِيتَ مزمارًا من مزامير داود" البخاري.
وعن عبد الله بن عمرو قال: جمعتُ القرآن، فقرأتُ به كل ليلة ، فبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اقرأه في شهر" النسائي.
و عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "إنّي لأعرف رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون ، و أعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، و إن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار" البخاري و مسلم .
ومع حرص الصحابة على مدارسة القرآن واستظهاره فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يشجعهم على ذلك ، و يختار لهم مَن يعلمهم القرآن ، عن عبادة بن الصامت قال: " كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى رجل منا يعلمه القرآن ، و كان يُسْمَعُ لمسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضجّة بتلاوة القرآن .
فهذا الحصر للسبعة المذكورين من البخاري بالروايات الثلاث الآنفة الذكر محمول على أن هؤلاء هم الذين جمعوا القرآن كله في صدورهم ، و عرضوه على النبي -صلى الله عليه وسلم- و اتصلت بنا أسانيدهم ، أما غيرهم من حفظة القرآن –و هم كثر- فلم يتوافر فيهم هذه الأمور كلها، لا سيما و أن الصحابة تفرّقوا في الأمصار ، و حفظ بعضهم عن بعض ، و يكفي دليلًا على ذلك أن الذين قُتلوا في بئر مَعونة من الصحابة كان يُقال لهم القُرَّاء ، و كانوا سبعين رجلًا كما في الصحيح، قال القرطبي: "قد قُتِلَ يوم اليمامة سبعون من القرَّاء وقُتل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ببئر معونة مثل هذا العدد" وهذا هو ما فهمه العلماء وأوَّلوا به الأحاديث الدالة على حصر الحُفَّاظ في السبعة المذكورين، قال القاضي الماوردي معلقًا على رواية أنس: " لم يجمع القرآن غير أربعة": " لا يلزم من قول أنس: لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك ، لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه ، و إلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة و تفرقهم في البلاد وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وهذا في غاية البعد في العادة، وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك، وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه، بل إذا حفظ الكل الكل ولو على التوزيع كفى" .
و الماوردي بهذا ينفى الشُّبْه التي توهم قلّة عدد الحفَّاظ بأسلوب مقنع ، و يبيِّن الاحتمالات الممكنة لصيغة الحصر في حديث أنس بيانًا شافيًا.
وقد ذكر أبو عبيد في كتاب "القراءات" القرَّاء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-
فعدَّ من المهاجرين: الخلفاء الأربعة، و طلحة ، و سعدًا، و ابن مسعود ، وحذيفة ، و سالمًا ، و أبا هريرة ، و عبد الله بن السائب ، و العبادلة ، وعائشة ، و حفصة ، و أم سلمة .
و من الأنصار: عبادة بن الصامت. و معاذًا الذي يُكنَّى أبا حليمة ، و مجمع بن جارية ، و فضالة بن عبيد ، و مسلمة بن مخلد ، و صرَّح بأن بعضهم إنما كمَّله بعد النبي ، صلى الله عليه وسلم .
وذكر الحافظ الذهبي في "طبقات القرَّاء" أن هذا العدد من القرَّاء هم الذين عرضوه على النبي -صلى الله عليه وسلم- و اتصلت بنا أسانيدهم ، و أما مَن جمعه منهم و لم يتصل بنا سندهم فكثير.
و من هذه النصوص يتبين لنا أن حفظة القرآن في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا جمعًا غفيرًا ، فإن الاعتماد على الحفظ في النقل من خصائص هذه الأمة ، قال ابن الجزري ، شيخ القرَّاء في عصره: "إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب و الصدور ، لا على خط المصاحف و الكتب أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة ".

جمع القرآن بمعنى كتابته على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم :

ب- جمع القرآن بمعنى كتابته على عهد الرسول ، صلى الله عليه وسلم:
اتخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتَّابًا للوحي من أجلَّاء الصحابة. كعلي، ومعاوية، وأُبَي بن كعب، وزيد بن ثابت، تنزل الآية فيأمرهم بكتابتها، ويرشدهم إلى موضعها من سورتها ، حتى تُظاهِر الكتابة في السطور ، الجمع في الصدور.
كما كان بعض الصحابة يكتبون ما ينزل من القرآن ابتداء من أنفسهم ، دون أن يأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيخطونه في العسب ، و اللِّخاف، و الكرانيف ، و الرقاع ، و الأقتاب ، و قطع الأديم ، و الأكتاف ، عن زيد بن ثابت قال: "كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نُؤلِّف القرآن من الرقاع" .
و هذا يدل على مدى المشقة التي كان يتحملها الصحابة في كتابة القرآن ، حيث لم تتيسر لهم أدوات الكتابة إلا بهذه الوسائل ، فأضافوا الكتابة إلى الحفظ.
و كان جبريل يعارض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن كل سنة في ليالي رمضان ، عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، و كان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة" .

و كان الصحابة يعرضون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لديهم من القرآن حفظًا وكتابة كذلك.

و لم تكن هذه الكتابة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مجتمعة في مصحف عام ، بل عند هذا ما ليس عند ذاك ، و قد نقل العلماء أن نفرًا منهم : علي بن أبي طالب، و معاذ بن جبل ، و أُبَي بن كعب ، و زيد بن ثابت ، و عبد الله بن مسعود – قد جمعوا القرآن كلّه على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- و ذكر العلماء أن زيد بن ثابت كان عرضه متأخرًا عن الجميع.
وقُبِضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقرآن محفوظ في الصدور، ومكتوب في الصحف على نحو ما سبق، مفرَّق الآيات والسور، أو مرتب الآيات فقط وكل سورة في صحيفة على حدة، بالأحرف السبعة الواردة ، و لم يُجمع في مصحف عام، حيث كان الوحي يتنزل تباعًا فيحفظه القراء، ويكتبه الكتبة ، و لم تدع الحاجة إلى تدوينه في مصحف واحد ، لأنه عليه الصلاة و السلام كان يترقب نزول الوحي من حين لآخر ، و قد يكون منه الناسخ لشيء نزل من قبل ، وكتابة القرآن لم يكن ترتيبها بترتيب النزول بل تُكتب الآية بعد نزولها حيث يشير -صلى الله عليه وسلم- إلى موضع كتابتها بين آية كذا و آية كذا في سورة كذا ، و لو جُمع القرآن كله بين دفتي مصحف واحد لأدى هذا إلى التغيير كلما نزل شيء من الوحي ، قال الزركشي: "و إنمَّا لم يُكتب في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مصحف لئلا يُفضي إلى تغييره في كل وقت ، فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته ، صلى الله عليه وسلم" و بهذا يُفسَّر ما رُوِيَ عن زيد بن ثابت ، قال: " قُبِضَ النبي -صلى الله عليه وسلم- و لم يكن القرآن جُمع في شيء" أي لم يكن جُمع مرتب الآيات و السور في مصحف واحد ، قال الخطابي: "إنما لم يَجْمع -صلى الله عليه وسلم- القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته ، فلمّا انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك، وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر".
ويسمى هذا الجمع في عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم:
أ- حفظًا .
ب- و كتابة : "الجمع الأول".


و إلى أن يجمعنا لقاء آخر لإكمال ما تبقى ، استودعكم الله  الذي لا تضيع ودائعه و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق