Translate

2014-05-16

المقدمة التوجيهية لطلاب العلم ، ألقيت في شهر نوفمبر ، على الإخوة في المركز الإسلامي التابع لفال ديار .

بسم الله الرحمن الرحيم:


مقدمة توجيهية لطالب العلم الشرعي :


إنَّ من خير ما تعمر به الأوقات الاشتغال بالعلوم الشرعية ، طلباً وتحصيلاً ، مذاكرة وتعليماً ، فطلب العلم الشرعي من أفضل القربات وأجل الطاعات، ولذا اهتم كثير من العلماء قديماً وحديثاً ببيان الآداب التي ينبغي أن يتأدب بها طلاب العلم ؛ فهي حليته و وسيلته إلى الفلاح و النجاح ، كما بيّنوا  الأخلاق المحمودة ، و الأخلاق المذمومة في الطلب ، و التي تكون معرفتها والعمل بها - امتثالاً و تركاً- سبيلاً لنيل مايريد من العلم ، و تحصيل ثمرته ، و من أهمها :



                          1-إخلاص النية لله تعالى:


فالعلم طاعة و عبادة ، و الإخلاص لله تعالى واجب في جميع العبادات و سائر الطاعات، قال تعالى :[ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ]. و الإخلاص في العلم أن يبتغي به وجه الله تعالى ، فإذا
كان هَمُّ طالب العلم تحصيل شهادة ، أو تبوء منصب لكسب منافع مادية فحسب ؛ فإنه لا يكون مخلصا في طلب العلم.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :-من تعلّم علماً مما يبتغَى به وجه الله - عز وجل- لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة .أبوداود، و ابن ماجه ، و صححه الحاكم ، و النووي في
رياض الصالحين . يعني ريحها .أخرجه أحمد.

وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على إخلاص النية لله تعالى، كما في حديث عمر المتفق عليه . (( إنّما الأعمال  بالنيات ، و إنّما لكل امرئ ما نوى . )

قال الإمام أحمد : " العلم لا يعدله شيء لمن صحّت نيته "، قالوا: كيف ذلك ؟ قال: ينوي رفع الجهلَ عن نفسه وعن غيره .
و قال ابن جماعة الكناني بعدما بيّن فضل العلم: " واعلم أن جميع ما ذكر من فضل العلم والعلماء إنما هو في حقّ العلماء العاملين الأبرار المتقين، الذين قصدوا به وجه الله الكريم، والزلفى لديه في جنات النعيم ، لا من طلبه بسوء نية، وخبث طوية ، أو لأغراض دنيوية ، من جاه أو مال أو مكاثرة في الأتباع والطلاب .

                                                                                             2- تقوى الله تعالى :


فالعلماء هم أعرف الناس بالله وأتقاهم له، قال تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء ، إن الله غفور رحيم .

وبالتقوى يزداد العالم علما ، و بالعلم يزداد التقي تقوى ، قال تعالى :[ و اتقوا الله و يعلمكم الله ]. و قال عزّ من قائل : [  ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ] . و من أعظم الرزق العلم النافع .

والتقوى هي جماع كل خير، ووصية الله للأولين والآخرين.

قال تعالى : [ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ] .

أي يجعل لكم ما تٌفرقون به بين الحق والباطل، و بين الصحيح  والسقيم، وبين الغث والسمين، وذلك إنما يكون بنور العلم وميزانه، و نبراسه و مقياسه، فالعلم ثمرة من ثمرات التقوى، والتقوى سبيل إلى نيل العلم ، والعلم يرقى بصاحبه إلى أعلى درجات المعرفة بالله، والخشية من الله، ولهذا يؤثر عن الشافعي - رحمه الله- أنه قال‏:


شكوت إلى وكيع سوء حفظي  
*   فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال لي: إن العـــلــــــم نور  
*     و نور الله لا يعطى لعاصي .


ومن أول ما يدخل في ذلك القيام بشعائر الإسلام و ظواهر الأحكام ، و من ذلك المحافظة على الصلاة في المساجد ، و إفشاء
السلام للخواص و العوام ، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و إظهار السنن ، و إخماد البدع ، و غير ذلك من الأحكام الظاهرة ليحصل التأسّي  به.

                          3- العمل بالعلم :

فالعلم إن لم يترجم إلى عمل فما الفائدة منه ، فعلى طالب العلم  كما يجد في الطلب أن يجد في العمل، فإنه أولى الناس بقطف

ثمرات علمه ، و عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلانا ما شأنك؟
أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه
). أخرجه البخاري ومسلم .
ومن ذلك دوام مراقبة الله تعالى في السر والعلن، وملازمة خشيته سبحانه، قال الإمام أحمد: أصل العلم الخشية .

                              4- الصبر و التحمل ّ:

فطريق العلم ليس مفروشا بالورود والرياحين بل إنه يحتاج إلى صبر ويقين وعزيمة لا تلين ، فالطريق طويل، والنفس داعية إلى الملل، والسآمة، والدعة، والراحة، فإذا طاوع طالب العلم نفسه قادته إلى الحسرة والندامة، يقول الشاعر:

وما النفس إلا حيث يجعلهــا الفتى * فإن أطمعت تـاقت وإلا تسلتِ.
و من أعظم ميادين الصبر :

الصبر في طلب العلم ، فلا سبيل إلى طلب العلم إلا بالصبر ، فالصبر يضئ لطالب العلم طريقه ، وهو زاد لا يستغني عنه ،

وخلق كريم لا بد وأن يتحلى به ، صبره على مشقة الترحال إلى الشيوخ، وطول المكث عندهم، والتأدب معهم، وصبره على المذاكرة والتحصيل ، و في قصة موسى و الخضر دار هذا الحوار بين نبي الله موسى و بين الخضر - عليهما السلام .

5- صنفان لا يتعلمان مستح أو مستكبر .

6- التواضع والسكينة ونبذ الخيلاء والكبر.


                         7- الهمة في طلب العلم:

لتكن همتك في طلب العلم عالية ؛ فلا تكتفِ بقليل العلم مع إمكان كثيره، و لا تقنع من إرث الأنبياء - صلوات الله عليهم - بيسيره ، و لا تركن إلى الكسل و التواني و لا تسوّف ، و اجعل قدوتك العلماء العاملين الذين جدوا و تسابقوا في هذا الميدان . 
و لا تؤخر تحصيل فائدة تمكنت منها ولا يشغلك الأمل والتسويف عنها.

واغتنم وقت فراغك ونشاطك، وزمن عافيتك، و شرخ شبابك ،

ونباهة خاطرك ، و قلة شواغلك ، قبل عوارض البطالة .


                   8-التفرغ  و المحافظة على الأوقات .

قال بعضهم: " لا يَنال هذا العلم إلا من عطّل دكّانه ، و خرّب بستانه ، و هجر إخوانَه ، و مات أقرب أهله فلم يشهد جنازته .


و قال عبيد بن يعيش : أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدي بالليل ، كانت أختي تلقمني وأنا أكتب الحديث.


 9- احترام العلماء من غير تقديس ، و اتباعهم على هُدى و نور .

                       10- التأدب مع الشيخ المعلم :
بما أن العلم لا يؤخذ ابتداءً من الكتب، بل لابد من شيخ تتقن عليه مفاتيح الطلب ، لتأمن من الزلل ، فعليك إذاً بالأدب معه، فإن ذلك عنوان الفلاح والنجاح، والتحصيل والتوفيق.

فليكن شيخك محل إجلال منك وإكرام وتقدير وتلطف، فخذ بمجامع الأدب مع شيخك في جلوسك معه، والتحدث إليه ،

وحسن السؤال، والاستماع، وحسن الأدب في تصفح الكتاب أمامه ، وترك التطاول و الجدال أمامه.


               11- مذاكرة العلم وكتابة ما استفاده .

يقول بعض أهل العلم : مذاكرة ليلة أحب إلي من إحيائها. يعني : جلوسي في هذه الليلة أتذكر العلم وأتذكر ما حفظته

أحب إلي من أن أقومها قراءة وتهجدا و صلاة و ركوعا و سجودا.

وينبغي على طالب العلم كلما استفاد فائدة أثبتها معه في دفتر أو ورقة وكررها إلى أن يحفظها والحمد لله رب العالمين .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ...

    ما شاء الله تبارك الله ، مازلت موفقا في اختياراتك ، و دروسك التي تلقيها على الشباب المسلم هناك ، زادك الله توفيقا و حرصا على الخير ، فمثلك في هذه البلد قليل ، و خاصة من يجمعون بين العلم و النصح للمسلمين ، مع صدق التوجه ووضوح الراية و صفاء المعتقد ، لا تنسنا شيخنا من صالح دعائك ، و يسّر الله لنا الالتحاق بكم و الاغتراف من علمكم و أخلاقكم ، و هنيئا لمن هم معك في دوراتك المتواصلة ، و السلام عليكم دائما و أبدا .

    ردحذف
  2. و عليكم السلام و رحمة الله وبركاته

    بارك الله فيكم على التواصل الأخوي .

    و أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص فيما نقول و نفعل ، إنه جواد كريم .

    و لا تنسنا من صالح دعائك .

    ردحذف