بسم الله الرحمن الرحيم :
الدرس الثالث عشر من دروس العقيدة
الإسلامية .
توحيد الأسماء و الصفات .
إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى
له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله . صلّى
الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلّم تسليما.
و بعد:
فإن الإيمان بأسماء الله و صفاته أحد أركان الإيمان بالله
تعالى و هي:
الإيمان بوجود الله تعالى ، و الإيمان بربوبيته ، والإيمان
بألوهيته ، و الإيمان بأسمائه و صفاته.
و توحيد الله به أحد أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية
، وتوحيد الألوهية ، و توحيد الأسماء والصفات.
فمنزلته في الدين عالية ، و أهميته عظيمة ، و لا يمكن أحدًا
أن يعبد الله على الوجه الأكمل حتى يكون على علم بأسماء الله تعالى و صفاته ، ليعبده
على بصيرة ، قال الله تعالى: [ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
] ، وهذا يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة.
فدعاء المسألة:
أن تقدم بين يدي مطلوبك من أسماء الله تعالى ما يكون مناسبا ، مثل أن تقول: يا غفور
اغفر لي ، ويا رحيم ارحمني ، و يا حفيظ احفظني ، ونحو ذلك.
ودعاء العبادة: أن
تتعبد لله بمقتضى هذه الأسماء ، فتقوم بالتوبة إليه لأنه التواب ، وتذكره بلسانك لأنه
السميع ، و تتعبد له بجوارحك لأنه البصير وتخشاه
في السر لأنه اللطيف الخبير ، وهكذا.
قواعد في أسماء الله تعالى :
القاعدة الأولى: أسماء الله تعالى كلها حسنى :
أي: بالغة في الحسن غايته، قال الله تعالى: [ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ
الْحُسْنَى ]، وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه ، لا احتمالاً
و لا تقديرًا.
مثال ذلك: "الحيُّ" اسم من أسماء الله تعالى
، متضمن للحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال. الحياة المستلزمة لكمال الصفات
من العلم والقدرة والسمع والبصر وغيرها.
ومثال آخر: "العليم" اسم من أسماء الله ، متضمن للعلم الكامل الذي
لم يسبق بجهل ولا يلحقه نسيان ، قال الله تعالى: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ
لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}، العلم الواسع المحيط بكل شيء جملة وتفصيلا، سواء
ما يتعلق بأفعاله أو أفعال خلقه، قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ
لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ
مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ
وَلا يَابِسٍ إِلاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}
والحُسْنُ في أسماء الله
تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده ، و يكون باعتبار جمعه إلى غيره ، فيحصل بجمع
الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال. وبهذا علم ضلال من سلبوا أسماء الله تعالى معانيها من أهل التعطيل، وقالوا:
إن الله تعالى سميع بلا سمع ، و بصير بلا بصر ، و عزيز بلا عزة ، وهكذا .
تنبيه:
أما قوله صلى الله عليه
وسلم: قال الله عز وجل: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب
الليل والنهار" فلا يدلُّ على أن الدهر من أسماء الله تعالى ، و ذلك أن الذين يسبون
الدهر إما يريدون الزمان الذي هو محل الحوادث، لا يريدون الله تعالى ، فيكون معنى قوله:
"و أنا الدهر" ما فسره بقوله: "بيدي الأمر أقلب الليل والنهار"،
فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه ، و قد بيَّن أنه يقلب الليل و النهار و هما الدهر، و لا يمكن
أن يكون المقلِّب (بكسر اللام) هو المقلَّب (بفتحها) ، و بهذا تبيَّن أنه يمتنع أن يكون
الدهر في هذا الحديث مرادًا به الله تعالى.
القاعدة الثانية : أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها .
و على هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة ، فلا يزاد فيها ولا
ينقص، لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء ، فوجب الوقوف في ذلك على
النص ، لقوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} و قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ
رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا
عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ، ولأن تسميته تعالى بما لم يُسَمِّ به نفسه أو
إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى ، فوجب سلوك الأدب في ذلك ، و الاقتصار على
ما جاء به النص.
القاعدة الثالثة : أسماء الله تعالى ليست محصورة بعدد .
أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث
المشهور: "أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته
أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك" الحديث ، رواه أحمد وابن حبان
والحاكم ، و هو صحيح .
وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن لأحد حصره و لا الإحاطة به.
فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا
واحدًا، من أحصاها دخل الجنة " فلا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد، ولو كان
المراد الحصر لكانت العبارة: إن أسماء الله تسعة وتسعون اسما، من أحصاها دخل الجنة،
أو نحو ذلك.
إذًا فمعنى الحديث: أن هذا العدد من شأنه أن من أحصاه دخل الجنة. وعلى هذا فيكون
قوله: "من أحصاها دخل الجنة" جملة مكملة لما قبلها وليست مستقلة. ونظير هذا
أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة ، فإنه لا يمنع أن يكون عندك دراهم أخرى لم
تعدها للصدقة.
فائدة : إحصاؤها: حفظها لفظا ، و فهمها معنىً ، و تمامه: أن يتعبد لله تعالى
بمقتضاها.
ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيين هذه الأسماء ، و الحديث المروي عنه
تعيينها ضعيف.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى (ص 382 ، ج 6) من مجموع ابن قاسم: ( تعيينها
ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه ) و لما لم يصح
تعيينها عن النبي صلى الله عليه وسلم اختلف السلف فيه. و رُوِيَ عنهم في ذلك أنواع.
و من أسماء الله تعالى ما يكون مضافا مثل: مالك الملك ، ذي الجلال و الإكرام.
القاعدة الرابعة : الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها.
و هو أنواع:
الأول: أن ينكر شيئا منها أو مما دلّت عليه من الصفات
و الأحكام ، كما فعل أهل التعطيل من الجهمية وغيرهم. وإنما كان ذلك إلحادا لوجوب الإيمان
بها وبما دلت عليه من الأحكام والصفات اللائقة بالله، فإنكار شيء من ذلك ميل بها عما
يجب فيها.
الثاني: أن يجعلها
دالّة على صفات تشابه صفات المخلوقين، كما فعل أهل التشبيه، وذلك لأن التشبيه معنى
باطل لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل هي دالة على بطلانه ، فجعلها دالة عليه ميل بها
عما يجب فيها.
الثالث: أن يسمى الله
تعالى بما لم يسم به نفسه، كتسمية النصارى له: (الأب)، وتسمية الفلاسفة إياه (العلة
الفاعلة)، وذلك لأن أسماء الله تعالى توقيفية، فتسمية الله تعالى بما لم يسم به نفسه
ميل بها عما يجب فيها، كما أن هذه الأسماء التي سموه بها نفسها باطلة، ينزه الله تعالى
عنها.
الرابع: أن يشتق من
أسمائه أسماء للأصنام ، كما فعل المشركون في اشتقاق العُزّى من العزيز ، و اشتقاق اللاّت
من الإله على أحد القولين ، فسموا بها أصنامهم ، و ذلك لأن أسماء الله تعالى مختصة به
، لقوله تعالى: {وَ لِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، وقوله:
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وقوله: {لَهُ
الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فكما
اختص بالعبادة و بالألوهية الحقّة ، و بأنّه يسبح له ما في السماوات والأرض، فهو مختص
بالأسماء الحسنى، فتسمية غيره بها على الوجه الذي يختص بالله عز وجل ميل بها عما يجب
فيها.
والإلحاد بجميع أنواعه محرم ، لأن الله تعالى هَدَّدَ الملحدين
بقوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ}.
ومنه ما يكون شركا أو كفرًا حسبما تقتضيه الأدلة الشرعية.
و نكمل ذلك في الدرس القادم إن شاء الله تعالى .
و الله المستعان لا رب سواه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق