Translate

2014-06-13

الدرس الثالث من سلسلة الدروس العلمية في مادة أصول الفقه .

 بسم الله الرحمن الرحيم :

الدرس الثالث من سلسلة الدروس العلمية في مادة أصول الفقه 




معنى الحكم الشرعي عند الأصوليين :

يعتبَرُ الحُكم الشرعي من أهمِّ المَباحِثِ في علم أصول الفقه  ؛ ففيه يتمُّ الفرز بين ما هو حلال وما هو حرام، بين ما هو واجب وما هو مُستحَبٌّ، وما إلى ذلك من الأحكام، فالتفريق بين الأحكام يُسهِّل عمليةَ الفهم والاستيعاب لدى الدارس لهذا العلم، ويَجدر التنبيهُ هنا إلى أن هذا الفرز لم يكن عند الصحابة - رضوان الله عليهم - على الشكل الذي سنتعرف عليه في هذا الفصل، إنما كانوا يفهمونه من محضِ طبيعتهم وحسِّهم الإيماني، ولم يقم علماء الأصول بإدراج هذه الأحكام تحت أقسام معيَّنة إلا بعد أن قلَّ فهمُ الناس في أمور الشرع، والتبَسَ الأمرُ عليهِم.

تعريف الحكم الشرعي :


الأحكام جمع حُكْم، معناها لغةً: القضاء؛ لذا يُسمى الحاكمُ بين الناس قاضيًا.



اصطلاحًا هو: "ما اقتَضاه خطاب الشرع المتعلِّق بأفعال المكلَّفين اقتضاءا  أو تخييراً أو وضعاً ".


شرح التعريف :

قولهم : (العلم): جنس، يشمل العلم بالأحكام الشرعية وبغيرها من التصورات والأحكام. والمراد به هنا مطلق الإدراك الشامل للظن واليقين.
وليس المراد به الإدراك القطعي اليقيني؛ لأن كثيرا من مسائل الفقه ظنية،  بل إن من العلماء من خص الفقه بمعرفة المسائل الاجتهادية ولم يجعل المسائل الظاهرة التي يشترك في معرفتها العامة والخاصة من الفقه. أو يقال : المراد بالعلم مجموعة المعارف المندرجة تحت هدف كلي واحد، كما يقال: علم الطب، وعلم الفلك، مع أن كثيرا من قضاياهما ظني. وهذا أولى من جواب الرازي الذي زعم فيه أن الفقه ليس من باب الظنون؛ لأنه مبني على مقدمتين قطعيتين فيكون قطعياً.
وهاتان المقدمتان هما :
مقدمة وجدانية ، وهي ما يجده المجتهد في نفسه من الظن بأن هذا حكم الله.
مقدمة إجماعية، وهي الإجماع على أن ما هذا شأنه يجب العمل به.
وإنما قلت : إن هذا أولى؛ لما في جواب الرازي من التكلف.
وقولهم : (بالأحكام): قيد أخرج العلم بما لا حكم فيه وهو التصور. والحكم يراد به هنا : إثبات أمر لآخر أو نفيه عنه.
وقولهم : (الشرعية) : أخرج العلم بالأحكام غير الشرعية كالحكم بصحة العبارة لغة أو بخطئها، وكالعلم بنفع هذا الدواء للمريض وضرره، فالأول حكم لغوي، والثاني طبي.
وقولهم : (العملية) أي : المتعلقة بما يصدر عن الناس من أعمال كالصلاة والزكاة والصوم والبيع، وهذا القيد يخرج الأحكام الاعتقادية، فإن العلم بها لا يسمى فقها في الاصطلاح؛ لاختصاص الفقه بالعلم بالأحكام العملية، وهذا لا ينفي أنهم كانوا يطلقون اسم الفقه الأكبر على مسائل الاعتقاد، ولكن هذا العلم اختص باسم آخر وهو علم التوحيد أو علم الكلام.
وقولهم : (المكتسب) : صفة للعلم، والعلم المكتسب هو الحادث الذي يحصل باجتهاد وعمل، فيخرج علم الله جل وعلا فإنه أزلي، وعلم جبريل عليه السلام فإنه حصل بإعلام الله له ولا كسب له فيه، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه فإنه علم لدُنِّيٌّ فلا يسمى فقها في الاصطلاح، وأما ما حصل باجتهاد من الرسول صلى الله عليه وسلم فيدخل في مسمى الفقه.
وقولهم: (من أدلتها التفصيلية)، متعلق بقولهم المكتسب، فالأدلة هي وسيلة اكتساب هذا العلم، وهذا يخرج علم المقلد فإنه ليس مكتسبا من الأدلة بل اكتسبه بتقليد غيره.
والأدلة التفصيلية : هي الأدلة الجزئية الخاصة بكل مسألة فقهية، مثل آية : { حرّمت عليكم الميتة، .... فإنّ الله غفور رحيم } [المائدة 3] الدالة على تحريم كل أجزاء الميتة. وحديث: « أيُّما إهاب دبغ فقد طهر » (أخرجه أحمد وأصحاب السنن من حديث ابن عباس مرفوعا، ومعناه في صحيح مسلم) الدال على طهارة جلد الميتة بالدبغ، وقياس الخنزير على الكلب في وجوب غسل الإناء من سؤره سبعا، وهكذا سائر الأدلة التفصيلية.
ومع أن كلمة الفقه لم تكن تطلق في الاصطلاح الأول إلا على الأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية بنوع من الاجتهاد، غير أن المتأخرين أصبحوا يطلقون هذه الكلمة على جميع الأحكام العملية التي تحويها كتب الفقه المصنفة مع أن فيها ما يشترك في معرفته الخاص والعام من المسلمين؛ لدلالة النصوص القطعية المشتهرة عليه، فيكون الفقه اسما لمجموع تلك المسائل لا للعلم بها أو ببعضها.


وتأسيساً على ما سبق أصبح اسم الفقيه يطلق على من عرف تلك الأحكام، سواء عرفها بنظر واجتهاد، أو عرفها تقليدا  لإمام من الأئمة.


ولو راعينا المعنى المراد من كلمة الفقه في عرف القرآن والسنة وعرف الصحابة والتابعين، لقصرنا اسم الفقيه على من عرف الأحكام الشرعية التي تحتاج في إدراكها إلى نظر واجتهاد دون ما يشترك فيه عامة المسلمين، وكانت معرفته مبنية على إدراك أدلتها لا تقليداً لغيره، ولم نفرق بين الأحكام الاعتقادية والعملية.
وهاهنا سؤال أورده الآمدي وغيره، خلاصته : أن الفقه إذا كان هو العلم بالأحكام الخ، فينبغي أن لا يسمى فقيها إلا من علم تلك الأحكام كلها، وهذا لا يجتمع لواحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت عن العلماء توقفهم في بعض المسائل ولم يمنع ذلك من إطلاق وصف الفقه عليهم، ولم يخرجوا من الفقهاء لتوقفهم.

والجواب عنه : أن المراد بالعلم بتلك الأحكام ليس حضورها في ذهن العالم بالفعل، وإنما حضور أكثرها في ذهنه، وقدرته على استنباط بعضها بعد النظر والاجتهاد، فيكون علمه لبعضها بالفعل وللباقي بالقوة القريبة بحيث يستطيع معرفتها دون حاجة إلى تعلم علم جديد.

تعريف الأصول :

الأصول : جمع أصل، وهو في اللغة : ما يبنى عليه غيره. ويطلق على منشأ الشيء.
وفي الاصطلاح : أطلق لفظ الأصل على عدة معان، أهمها ما يلي :
1-الدليل : كما يقول الفقهاء: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة والإجماع، أي : الدليل عليها.
2-القاعدة المستمرة : كما يقول الأصوليون : الأصل أن الخاص مقدم على العام عند التعارض، وكما يقول النحاة : الأصل في المبتدأ التقديم وفي الخبر التأخير.
3-الراجح : كما يقول الأصوليون : الأصل بقاء ما كان على ما كان. والأصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية.
4- المقيس عليه ، كما يقول الأصوليون في باب القياس : أركان القياس أربعة: الأصل، والفرع، والعلة، والحكم.
وأقرب هذه المعاني لإطلاق الأصل هنا هو المعنى الأول ثم الثاني.
ب - تعريف أصول الفقه باعتباره علَماً :
وأما أصول الفقه الذي هو علَم على علم من علوم الشريعة فهو : كما عرفه الرازي : « مجموع طرق الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد ».
شرح التعريف :
قوله : (مجموع طرق الفقه) أي : مجموع الطرق التي توصل إلى إدراك الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية.
وعبَّر بالطرق دون الأدلة؛ لأن الأدلة عند كثير من العلماء لا تشمل ما يفيد الظن مثل القياس والاستصلاح ونحوهما من الطرق التي جعلها الفقهاء أمارات على الأحكام، وإنما تطلق على النصوص القطعية والإجماع القطعي فحسب.
قوله : (الإجمالية): نسبة إلى الإجمال وهو ضد التفصيل، وعبر بالإجمالية ليخرج طرق الفقه التفصيلية التي يعد الاشتغال بها من عمل الفقيه كما أسلفنا.
وبحث الأصولي لا يتعلق بآية من القرآن بخصوصها كيف تدل على ما دلت عليه من الأحكام، ولا حديث بعينه، ولا قياس بعينه، وإنما يبحث في حجية الكتاب وحجية السنة وحجية القياس، وهكذا. فهو يبحث في عوارض تلك الأدلة وما توصف به من قوة أو ضعف وإحكام أو نسخ، وفي شروطها وترتيبها وكيفية الجمع بينها عند تعارضها في نظر من لم يتأملها جيدا.
قوله : (وكيفية الاستفادة منها) أي : طرق استفادة الأحكام من الأدلة والأمارات الموصلة إليها، وهذا يشمل طرق الدلالة اللفظية والعقلية، وطرق نصب الدليل الذي يوصل إلى معرفة الحكم الشرعي، سواء أكان الدليل نصّاً من قرآن أو سنة ونحوهما أم معقولا من النص كالقياس والاستصلاح وغيرهما، وهذا يدخل ما ذكره الأصوليون في دلالات الألفاظ من العام والخاص والمطلق والمقيد، والأمر والنهي، والمنطوق والمفهوم، كما يُدخل طرق معرفة العلة المستنبطة ونحو ذلك مما لا يخفى.



يتبع إن شاء الله تعالى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق