بسم الله الرحمن الرحيم :
الدرس السادس : من سلسلة دروس علوم القرآن .
استكمالا لما بدأناه من درس معرفة المكي و المدني ، فهذا تكملة ما تبقى من الدرس ، و أسأل الله تعالى أن يعيننا على ما يرضيه تعالى .
فوائد العلم بالمكي و المدني:
و للعلم بالمكي و المدني فوائد أهمها:
أ- الاستعانة به في تفسير القرآن:
فإن معرفة مواقع النزول تساعد على فهم الآية وتفسيرها تفسيرًا صحيحًا، وإن كانت العبرة بعموم اللَّفظ لا بخصوص السبب. ويستطيع المفسر في ضوء ذلك عند تعارض المعنى في آيتين أن يُميز بين الناسخ والمنسوخ، فإن المتأخر يكون ناسخًا للمتقدم.
ب- تذوق أساليب القرآن والاستفادة منها في أسلوب الدعوة إلى الله ، فإن لكل مقام مقالًا، ومراعاة مقتضى الحال من أخص معاني البلاغة، وخصائص أسلوب المكي في القرآن والمدني منه تعطي الدارس منهجًا لطرائق الخطاب في الدعوة إلى الله بما يلائم نفسية المخاطب، ويمتلك عليه لُبّه ومشاعره، ويعالج فيه دخيلته بالحكمة البالغة، ولكل مرحلة من مراحل الدعوة موضوعاتها وأساليب الخطاب فيها، كما يختلف الخطاب باختلاف أنماط الناس ومعتقداتهم وأحوال بيئاتهم، ويبدو هذا واضحًا جليًّا بأساليب القرآن المختلفة في مخاطبة المؤمنين والمشركين والمنافقين وأهل الكتاب.
جـ- الوقوف على السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية..
فإن تتابع الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساير تاريخ الدعوة بأحداثها في العهد المكي والعهد المدني منذ بدأ الوحي حتى آخر آية نزلت، والقرآن الكريم هو المرجع الأصيل لهذه السيرة الذي لا يدع مجالًا للشك فيما رُوِيَ عن أهل السير موافقًا له، ويقطع دابر الخلاف عند اختلاف الروايات.
معرفة المكي والمدني وبيان الفرق بينهما:
اعتمد العلماء في معرفة المكي والمدني على منهجين أساسيين:
المنهج السماعي النقلي، و المنهج القياسي الاجتهادي.
و المنهج السماعي النقلي يستند إلى الرواية الصحيحة عن الصحابة الذين عاصروا الوحي، وشاهدوا نزوله، أو عن التابعين الذين تلقوا عن الصحابة وسمعوا منهم كيفية النزول ومواقعه وأحداثه، ومعظم ما ورد في المكي والمدني من هذا القبيل، وفي الأمثلة السابقة خير دليل على ذلك، وقد حفلت بها كتب التفسير بالمأثور، ومؤلفات أسباب النزول، ومباحث علوم القرآن، ولم يرد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء في ذلك ، حيث إنه ليس من الواجبات التي تجب على الأمة إلا بالقدر الذي يُعرف به الناسخ و المنسوخ ، قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني في "الانتصار": " إنما يُرجع في معرفة المكي والمدني لحفظ الصحابة والتابعين ، و لم يرد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك قول لأنه لم يؤمر به ، و لم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة، وإن وجب في بعضه على أهل العلم ومعرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ فقد يُعرف ذلك بغير نص الرسول" .
و المنهج القياسي الاجتهادي يستند إلى خصائص المكي وخصائص المدني، فإذا ورد في السورة المكية آية تحمل طابع التنزيل المدني أو تتضمن شيئًا من حوادثه قالوا إنها مدنية، وإذا ورد في السورة المدنية آية تحمل طابع التنزيل المكي أو تتضمن شيئًا من حوادثه قالوا إنها مكية، وإذا وُجِدَ في السورة خصائص المكي قالوا إنها مكية، وإذا وُجِدَ فيها خصائص المدني قالوا إنها مدنية، وهذا قياس اجتهادي، ولذا قالوا مثلًا: كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية، وكل سورة فيها فريضة أو حد مدنية، وهكذا، قال الجعبري: "لمعرفة المكي والمدني طريقان: سماعي وقياسي"، ولا شك أن السماعي يعتمد على النقل، والقياسي يعتمد على العقل ، والنقل والعقل هما طريقا المعرفة السليمة والتحقيق العلمي.
الفرق بين المكي والمدني:
للعلماء في الفرق بين المكي والمدني ثلاثة آراء اصطلاحية ، كل رأي منها بُنِيَ على اعتبار خاص.
الأول: اعتبار زمن النزول ، فالمكي: ما نزل قبل الهجرة و إن كان بغير مكة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة وإن كان بغير المدينة ، فما نزل بعد الهجرة ولو بمكة، أو عرفة: مدني، كالذي نزل عام الفتح، كقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّواْ الأمَانَات إلَى أهْلِهَا} ، فإنها نزلت بمكة في جوف الكعبة عام الفتح الأعظم، أو نزل بحجة الوداع كقوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا} ، و هذا الرأي أولى من الرأيين بعده لحصره و اطّراده.
الثاني: اعتبار مكان النزول، فالمكي: ما نزل بمكة وما جاورها كمِنى وعرفات والحديبية. والمدني: ما نزل بالمدينة وما جاورها كأُحد وقُباء وسلع.
ويترتب على هذا الرأي عدم ثنائية القسمة و حصرها، فما نزل بالأسفار أو بتبوك أو ببيت المقدس لا يدخل تحت القسمة ، فلا يسمى مكيًّا ولا مدنيًّا ، كما يترتب عليه كذلك أن ما نزل بمكة بعد الهجرة يكون مكيًّا.
الثالث: اعتبار المخاطَب ، فالمكي: ما كان خطابًا لأهل مكة، والمدني: ما كان خطابًا لأهل المدينة.
و ينبني على هذا الرأي عند أصحابه أن ما في القرآن من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} مكي، وما فيه من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذَّيِنَ آمَنُواُ} مدني.
و بالملاحظة يتبين أن أكثر سور القرآن لم تُفْتَتَحْ بأحد الخطابين، وأن هذا الضابط لا يطرد، فسورة البقرة مدنية، و فيها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، و قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ، و سورة النساء مدنية وأولها: {يَا أيُّهَا النَّاسُ} وسورة الحج مكية ، و فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، والقرآن الكريم هو خطاب الله للخلق أجمعين، ويجوز أن يخاطب المؤمنون بصفتهم وباسمهم وجنسهم، كما يجوز أن يؤمر غير المؤمنين بالعبادة كما يؤمر المؤمنون بالاستمرار والازدياد منها.
مميزات المكي والمدني:
استقرأ العلماء السور المكية والسور المدنية، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات التي يتناولها. وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات.
ضوابط المكي ومميزاته الموضوعية:
1- كل سورة فيها سجدة فهي مكية.
2- كل سورة فيها لفظ "كلا" فهي مكية، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن. وذُكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة.
3- كل سورة فيها:[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ] ، و ليس فيها:[ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواُ ] ، فهي مكية، إلا سورة الحج ففي أواخراها:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا] ، و مع هذا فإن كثيرًا من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك.
4- كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية سوى البقرة.
5- كل سورة فيها آدم وإبليس فهي مكية سوى البقرة كذلك.
ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية:
1- كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية.
2- كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية سوى العنكبوت فإنها مكية.
3- كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مدنية.
هذا من ناحية الضوابط ، أما من ناحية المميزات الموضوعية وخصائص الأسلوب فيمكن إجمالها فيما يأتي:
1- بيان العبادات ، والمعاملات، و الحدود ، و نظام الأسرة ، والمواريث، وفضيلة الجهاد، والصلات الاجتماعية، والعلاقات الدولية في السلم والحرب، وقواعد الحكم، ومسائل التشريع.
2- مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ودعوتهم إلى الإسلام، وبيان تحريفهم لكتب الله، وتجنيهم على الحق، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم.
3- الكشف عن سلوك المنافقين، وتحليل نفسيتهم، وإزاحة الستار عن خباياهم، وبيان خطرهم على الدين.
4- طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها.
بفضل الله انتهت ، و بحمده تعالى ختمت ، فله الحمدُ و الفضلُ و الثناءُ الحسنُ على نعمهِ المتتالية ، و بركاته العالية ، والصلاة و السلام على خير من وطأت قدمه الأرض ، اللهم بحبي لك و لرسولك اغفر لي و تجاوز عنّي و اعف عن والدي و ارحمه رحمة واسعة جزاءً لما ربّاني و علّمني ، و سامح جدّي في أهل الجّنة ، لِماَ كان له من فضل عليّ يوم أدخلني في سلك قرأة كتابك ، و تب على إخواني طلبة العلم الذين يحضرون دروس العلم ، و افتح عليهم بمعرفة العلم و أنر قلوبهم بنور الفهم ، و زك جوارحهم بجلائل الأعمال التي تنير القلب و ترفع الهمة ، و تقبل منّا جميعا إنك أنت السميع العليم .
الدرس السادس : من سلسلة دروس علوم القرآن .
استكمالا لما بدأناه من درس معرفة المكي و المدني ، فهذا تكملة ما تبقى من الدرس ، و أسأل الله تعالى أن يعيننا على ما يرضيه تعالى .
فوائد العلم بالمكي و المدني:
و للعلم بالمكي و المدني فوائد أهمها:
أ- الاستعانة به في تفسير القرآن:
فإن معرفة مواقع النزول تساعد على فهم الآية وتفسيرها تفسيرًا صحيحًا، وإن كانت العبرة بعموم اللَّفظ لا بخصوص السبب. ويستطيع المفسر في ضوء ذلك عند تعارض المعنى في آيتين أن يُميز بين الناسخ والمنسوخ، فإن المتأخر يكون ناسخًا للمتقدم.
ب- تذوق أساليب القرآن والاستفادة منها في أسلوب الدعوة إلى الله ، فإن لكل مقام مقالًا، ومراعاة مقتضى الحال من أخص معاني البلاغة، وخصائص أسلوب المكي في القرآن والمدني منه تعطي الدارس منهجًا لطرائق الخطاب في الدعوة إلى الله بما يلائم نفسية المخاطب، ويمتلك عليه لُبّه ومشاعره، ويعالج فيه دخيلته بالحكمة البالغة، ولكل مرحلة من مراحل الدعوة موضوعاتها وأساليب الخطاب فيها، كما يختلف الخطاب باختلاف أنماط الناس ومعتقداتهم وأحوال بيئاتهم، ويبدو هذا واضحًا جليًّا بأساليب القرآن المختلفة في مخاطبة المؤمنين والمشركين والمنافقين وأهل الكتاب.
جـ- الوقوف على السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية..
فإن تتابع الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساير تاريخ الدعوة بأحداثها في العهد المكي والعهد المدني منذ بدأ الوحي حتى آخر آية نزلت، والقرآن الكريم هو المرجع الأصيل لهذه السيرة الذي لا يدع مجالًا للشك فيما رُوِيَ عن أهل السير موافقًا له، ويقطع دابر الخلاف عند اختلاف الروايات.
معرفة المكي والمدني وبيان الفرق بينهما:
اعتمد العلماء في معرفة المكي والمدني على منهجين أساسيين:
المنهج السماعي النقلي، و المنهج القياسي الاجتهادي.
و المنهج السماعي النقلي يستند إلى الرواية الصحيحة عن الصحابة الذين عاصروا الوحي، وشاهدوا نزوله، أو عن التابعين الذين تلقوا عن الصحابة وسمعوا منهم كيفية النزول ومواقعه وأحداثه، ومعظم ما ورد في المكي والمدني من هذا القبيل، وفي الأمثلة السابقة خير دليل على ذلك، وقد حفلت بها كتب التفسير بالمأثور، ومؤلفات أسباب النزول، ومباحث علوم القرآن، ولم يرد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء في ذلك ، حيث إنه ليس من الواجبات التي تجب على الأمة إلا بالقدر الذي يُعرف به الناسخ و المنسوخ ، قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني في "الانتصار": " إنما يُرجع في معرفة المكي والمدني لحفظ الصحابة والتابعين ، و لم يرد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك قول لأنه لم يؤمر به ، و لم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة، وإن وجب في بعضه على أهل العلم ومعرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ فقد يُعرف ذلك بغير نص الرسول" .
و المنهج القياسي الاجتهادي يستند إلى خصائص المكي وخصائص المدني، فإذا ورد في السورة المكية آية تحمل طابع التنزيل المدني أو تتضمن شيئًا من حوادثه قالوا إنها مدنية، وإذا ورد في السورة المدنية آية تحمل طابع التنزيل المكي أو تتضمن شيئًا من حوادثه قالوا إنها مكية، وإذا وُجِدَ في السورة خصائص المكي قالوا إنها مكية، وإذا وُجِدَ فيها خصائص المدني قالوا إنها مدنية، وهذا قياس اجتهادي، ولذا قالوا مثلًا: كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية، وكل سورة فيها فريضة أو حد مدنية، وهكذا، قال الجعبري: "لمعرفة المكي والمدني طريقان: سماعي وقياسي"، ولا شك أن السماعي يعتمد على النقل، والقياسي يعتمد على العقل ، والنقل والعقل هما طريقا المعرفة السليمة والتحقيق العلمي.
الفرق بين المكي والمدني:
للعلماء في الفرق بين المكي والمدني ثلاثة آراء اصطلاحية ، كل رأي منها بُنِيَ على اعتبار خاص.
الأول: اعتبار زمن النزول ، فالمكي: ما نزل قبل الهجرة و إن كان بغير مكة، والمدني: ما نزل بعد الهجرة وإن كان بغير المدينة ، فما نزل بعد الهجرة ولو بمكة، أو عرفة: مدني، كالذي نزل عام الفتح، كقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّواْ الأمَانَات إلَى أهْلِهَا} ، فإنها نزلت بمكة في جوف الكعبة عام الفتح الأعظم، أو نزل بحجة الوداع كقوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا} ، و هذا الرأي أولى من الرأيين بعده لحصره و اطّراده.
الثاني: اعتبار مكان النزول، فالمكي: ما نزل بمكة وما جاورها كمِنى وعرفات والحديبية. والمدني: ما نزل بالمدينة وما جاورها كأُحد وقُباء وسلع.
ويترتب على هذا الرأي عدم ثنائية القسمة و حصرها، فما نزل بالأسفار أو بتبوك أو ببيت المقدس لا يدخل تحت القسمة ، فلا يسمى مكيًّا ولا مدنيًّا ، كما يترتب عليه كذلك أن ما نزل بمكة بعد الهجرة يكون مكيًّا.
الثالث: اعتبار المخاطَب ، فالمكي: ما كان خطابًا لأهل مكة، والمدني: ما كان خطابًا لأهل المدينة.
و ينبني على هذا الرأي عند أصحابه أن ما في القرآن من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} مكي، وما فيه من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذَّيِنَ آمَنُواُ} مدني.
و بالملاحظة يتبين أن أكثر سور القرآن لم تُفْتَتَحْ بأحد الخطابين، وأن هذا الضابط لا يطرد، فسورة البقرة مدنية، و فيها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، و قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ، و سورة النساء مدنية وأولها: {يَا أيُّهَا النَّاسُ} وسورة الحج مكية ، و فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، والقرآن الكريم هو خطاب الله للخلق أجمعين، ويجوز أن يخاطب المؤمنون بصفتهم وباسمهم وجنسهم، كما يجوز أن يؤمر غير المؤمنين بالعبادة كما يؤمر المؤمنون بالاستمرار والازدياد منها.
مميزات المكي والمدني:
استقرأ العلماء السور المكية والسور المدنية، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات التي يتناولها. وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات.
ضوابط المكي ومميزاته الموضوعية:
1- كل سورة فيها سجدة فهي مكية.
2- كل سورة فيها لفظ "كلا" فهي مكية، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن. وذُكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة.
3- كل سورة فيها:[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ] ، و ليس فيها:[ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواُ ] ، فهي مكية، إلا سورة الحج ففي أواخراها:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا] ، و مع هذا فإن كثيرًا من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك.
4- كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية سوى البقرة.
5- كل سورة فيها آدم وإبليس فهي مكية سوى البقرة كذلك.
ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية:
1- كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية.
2- كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية سوى العنكبوت فإنها مكية.
3- كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مدنية.
هذا من ناحية الضوابط ، أما من ناحية المميزات الموضوعية وخصائص الأسلوب فيمكن إجمالها فيما يأتي:
1- بيان العبادات ، والمعاملات، و الحدود ، و نظام الأسرة ، والمواريث، وفضيلة الجهاد، والصلات الاجتماعية، والعلاقات الدولية في السلم والحرب، وقواعد الحكم، ومسائل التشريع.
2- مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ودعوتهم إلى الإسلام، وبيان تحريفهم لكتب الله، وتجنيهم على الحق، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم.
3- الكشف عن سلوك المنافقين، وتحليل نفسيتهم، وإزاحة الستار عن خباياهم، وبيان خطرهم على الدين.
4- طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها.
بفضل الله انتهت ، و بحمده تعالى ختمت ، فله الحمدُ و الفضلُ و الثناءُ الحسنُ على نعمهِ المتتالية ، و بركاته العالية ، والصلاة و السلام على خير من وطأت قدمه الأرض ، اللهم بحبي لك و لرسولك اغفر لي و تجاوز عنّي و اعف عن والدي و ارحمه رحمة واسعة جزاءً لما ربّاني و علّمني ، و سامح جدّي في أهل الجّنة ، لِماَ كان له من فضل عليّ يوم أدخلني في سلك قرأة كتابك ، و تب على إخواني طلبة العلم الذين يحضرون دروس العلم ، و افتح عليهم بمعرفة العلم و أنر قلوبهم بنور الفهم ، و زك جوارحهم بجلائل الأعمال التي تنير القلب و ترفع الهمة ، و تقبل منّا جميعا إنك أنت السميع العليم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق