Translate

2014-09-16

الدرس الخامس : من سلسلة دروس علوم القرآن .

بسم الله الرحمن الرحيم :


الدرس الخامس : من سلسلة دروس علوم القرآن .


الموضوع : معرفة المكي و المدني .


مقدمة :



من فضل الله على الإنسان أنه لم يتركه في الحياة يستهدي بما أودعه الله فيه من فطرة سليمة ، تقوده إلى الخير ، و ترشده إلى البر فحسب ، بل بعث إليه بين فترة وأخرى رسولًا يحمل من الله كتابًا يدعوه إلى عبادة الله وحده ، ويبشر وينذر ، لتقوم عليه الحجة
: [ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ] .

حال العرب عند نزول الوحي :

كانت قريش في جاهلية تعمي و تصم ، يعبدون الأوثان ، و يشركون بالله ، و ينكرون الوحي ، و يكذِّبون بيوم الدين ، و كانوا يقولون: [ أإِذَا مِتنا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} ، و قالوا : [ مَا هِيَ إلًَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهلِكُنَا إلَّا الدَّهْرُ ] . و هم ألداء في الخصومة ، أهل مماراة و لجاجة في القول عن فصاحة و بيان ؛ حيث كان القوم كذلك نزل الوحي المكي قوارعٌ زاجرةٌ ، وشهبًا منذرة ، و حججًا قاطعة ، يحطم وثنيتهم في العقيدة ، و يدعوهم إلى توحيد الألوهية و الربوبية ، و يهتك أستار فسادهم ، و يسَفِّه أحلامهم ، و يقيم دلائل النبوة ، و يضرب الأمثلة للحياة الآخرة و ما فيها من جنة و نار ، و يتحدَّاهم -على فصاحتهم- بأن يأتوا بمثل القرآن ، و يسوق إليهم قصص المكذِّبِين الغابرين عبرة و ذكرى ، فتجد في مكي القرآن ألفاظًا شديدة القرع على المسامع ، تقذف حروفها شرر الوعيد و ألسنة العذاب ، فـ "كلا" الرادعة الزاجرة، و الصاخة والقارعة ، و الغاشية و الواقعة ، و ألفاظ الهجاء في فواتح السور ، و آيات التحدي في ثناياها ، و مصير الأمم السابقة ، و إقامة الأدلة الكونية ، و البراهين العقلية - كل هذا نجده في خصائص القرآن المكي.
و حين تكونت الفئة المؤمنة بالله و ملائكته وكتبه و رسله و اليوم الآخر و بالقدر خيره وشره ، و امتُحنت في عقيدتها بأذى المشركين فصبرت و هاجرت بدينها مؤثرة ما عند الله على متع الحياة -حين تكونت هذه الفئة - نرى الآيات المدنية طويلة المقاطع ، تتناول أحكام الإسلام وحدوده ، و تدعو إلى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله ، و تفصّل أصول التشريع ، و تضع قواعد المجتمع ، و تحدد روابط الأسرة ، و صلات الأفراد ، و علاقات الدول والأمم ، كما تفضح المنافقين و تكشف دخيلتهم ، و تجادل أهل الكتاب و تلجم أفواههم –و هذا هو الطابع العام للقرآن المدني.

عناية العلماء بالمكي و المدني و أمثلة ذلك و فوائده:

وقد عَنِيَ العلماء بتحقيق المكي و المدني عناية فائقة ، فتتبعوا القرآن آية آية ، و سورة سورة ، لترتيبها وفق نزولها ، مراعين في ذلك الزمان و المكان و الخطاب ، لا يكتفون بزمن النزول ، و لا بمكانه ، بل يجمعون بين الزمان و المكان و الخطاب ، و هو تحديد دقيق يعطي للباحث المنصف صورة للتحقيق العلمي في علم المكي والمدني ، و هو شأن علمائنا في تناولهم لمباحث القرآن الأخرى.
إنه جهد كبير أن يتتبع الباحث منازل الوحي في جميع مراحله ، و يتناول آيات القرآن الكريم فيعيِّن وقت نزولها ، و يحدد مكانه ، و يضم إلى ذلك الضوابط القياسية لأسلوب الخطاب فيها ، أهو من قبيل المكي ، أم من قبيل المدني ؟
مستعينًا بموضوع السورة أو الآية ، أهو من الموضوعات التي ارتكزت عليها الدعوة الإسلامية في مكة أم من الموضوعات التي ارتكزت عليها الدعوة في المدينة؟
وإذا اشتبه الأمر على الباحث لتوافر الدلائل المختلفة رجَّح بينها فجعل بعضها شبيهًا بما نزل في مكة ، و بعضها شبيهًا بما نزل في المدينة.
وإذا كانت الآيات نزلت في مكان ثم حملها أحد من الصحابة فور نزولها لإبلاغها في مكان آخر ضبط العلماء هذا كذلك ، فقالوا: ما حُمل من مكة إلى المدينة ، و ما حُمل من المدينة إلى مكة.
قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري في كتاب "التنبيه على فضل علوم القرآن": "من أشرف علوم القرآن علم نزوله و جهاته ، و ترتيب ما نزل بمكة و المدينة ، و ما نزل بمكة و حكمه مدني ، و ما نزل بالمدينة و حكمه مكي ، و ما نزل بمكة في أهل المدينة ، وما نزل بالمدينة في أهل مكة ، وما يشبه نزول المكي في المدني ، وما يشبه نزول المدني في المكي ، و ما نزل بالجُحفة ، و ما نزل ببيت المقدس ، و ما نزل بالطائف ، وما نزل بالحديبية ، و ما نزل ليلًا ، وما نزل نهارًا ، و ما نزل مشيعًا ، و ما نزل مفردًا ، والآيات المدنيات من السور المكية ، و الآيات المكيات في السور المدنية ، و ما حُمل من مكة إلى المدينة ، و ما حُمل من المدينة إلى مكة ، و ما حُمل من المدينة إلى أرض الحبشة، و ما نزل مُجملًا ، و ما نزل مفسرًا ، و ما اختلفوا فيه ، فقال بعضهم مدني و بعضهم مكي ، فهذه خمسة وعشرون وجهًا من لم يعرفها و يميز بينها لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى".
وحرص العلماء على الدقة ، فرتبوا السور حسب منازلها سورة بعد سورة ، و قالوا سورة كذا نزلت بعد سورة كذا ، و ازدادوا حرصًا في الاستقصاء .
ففرقوا بين ما نزل ليلًا و ما نزل نهارًا ، و ما نزل صيفًا و ما نزل شتاء ، و ما نزل في الحضر و ما نزل في السفر.
و أهم الأنواع التي يتدارسها العلماء في هذا المبحث:
1- ما نزل بمكة.
2- ما نزل بالمدينة.
3- ما اختُلِفَ فيه.
4- الآيات المكية في السور المدنية.
5- الآيات المدنية في السور المكية.
6- ما نزل بمكة وحكمه مدني.
7- ما نزل بالمدينة وحكمه مكي.
8- ما يشبه نزول المكي في المدني.
9- ما يشبه نزول المدني في المكي.
10- ما حُمل من مكة إلى المدينة.
11- ما حُمل من المدينة إلى مكة.
12- ما نزل ليلًا وما نزل نهارًا.
13- ما نزل صيفًا وما نزل شتاءً.
14- ما نزل في الحَضَر وما نزل في السَّفَر.
فهذه أنواع أساسية ، يرتكز محورها على المكي و المدني ، و لذا سُمِّي هذا بـ "علم المكي و المدني".
أمثلة:
1- أقرب ما قيل في تعداد السور المكية و المدنية إلى الصحة ، أن المدني عشرون سورة:
1- البقرة. 2- آل عمران. 3- النساء.
4- المائدة. 5- الأنفال. 6- التوبة.
7- النور. 8- الأحزاب. 9- محمد.
10- الفتح. 11- الحجرات. 12- الحديد.
13- المجادلة. 14- الحشر. 15- الممتحنة.
16- الجمعة. 17- المنافقون. 18- الطلاق.
19- التحريم. 20- النصر.
2- وأن المختلف فيه اثنتا عشرة سورة:
1- الفاتحة. 2- الرعد. 3- الرحمن.
4- الصف. 5- التغابن. 6- المطففون.
7- القدر. 8- البينة. 9- الزلزلة.
10- الإخلاص. 11- الفلق. 12- الناس.
- و أن ما سوى ذلك مكي ، و هو اثنتان و ثمانون سورة ، فيكون مجموع سور القرآن مائة و أربع عشرة سورة.
4- الآيات المكية في السور المدنية : لا يُقصد بوصف السورة بأنها مكية أو مدنية أنها بأجمعها كذلك ، فقد يكون في المكية بعض آيات مدنية ، و في المدنية بعض آيات مكية ، و لكنه وصف أغلبي حسب أكثر آياتها ، و لذا يأتي في التسمية : سورة كذا مكية إلا آية كذا فإنها مدنية ، و سورة كذا مدنية إلا آية كذا فإنها مكية - كما نجد ذلك في المصاحف.
و من أمثلة الآيات المكية في السور المدنية "سورة الأنفال" مدنية ، و استثنى منها كثير من العلماء قوله تعالى: [ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ] ، قال مقاتل في هذه الآية: نزلت بمكة ، و ظاهرها كذلك ، لأنها تضمنت ما كان من المشركين في دار الندوة عند تآمرهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة ، و استثنى بعضهم كذلك : [ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ] ، لما أخرجه البزَّار عن ابن عباس أنها نزلت لما أسلم عمر ابن الخطاب ، رضي الله عنه.
5- الآيات المدنية في السور المكية: و من أمثلة الآيات المدنية في السور المكية "سورة الأنعام" قال ابن عباس: نزلت بمكة جملة واحدة. فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة: [ قُُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شيئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ, وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ]. و "سورة الحج" مكية سوى ثلاث آيات نزلت بالمدينة ، من أول قوله تعالى: [ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ] .
6- ما نزل بمكة و حكمه مدني: و يمثلون له بقوله تعالى: [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ] . فإنها نزلت بمكة يوم الفتح ، و هي مدنية لأنها نزلت بعد الهجرة ، و الخطاب فيها عام ، و مثل هذا لا يسميه العلماء مكيًّا ، كما لا يسمونه مدنيًّا على وجه التعيين ، بل يقولون فيه : ما نزل بمكة و حكمه مدني.
7- ما نزل بالمدينة و حكمه مكي : و يمثلون له بسورة الممتحنة ، فإنها نزلت بالمدينة ، فهي مدنية باعتبار المكان ، و لكن الخطاب في ثناياها توجه إلى مشركي أهل مكة.. و مثل هذا صدر سورة "براءة" نزل بالمدينة ، و الخطاب فيه لمشركي أهل مكة.
8- ما يشبه نزول المكي في المدني: و يعني العلماء به ما كان في السور المدنية من آيات جاء أسلوبها في خصائصه و طابعه العام على نمط السور المكية ، و من أمثلته قوله تعالى في سورة الأنفال – و هي مدنية: [ إِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ] ، فإن استعجال المشركين للعذاب كان بمكة.
9- ما يُشبه نزول المدني في المكي: و يعني العلماء به ما يقابل النوع السابق ، و يمثلون له بقوله تعالى في سورة النجم: [ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ].. قال السيوطي: فإن الفواحش كل ذنب فيه حد ، و الكبائر كل ذنب عاقبته النار، و اللَّمم ما بين الحدين من الذنوب، ولم يكن بمكة حد و لا نحوه .
10- ما حُمل من مكة إلى المدينة: و من أمثلته سورة [ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى] ، أخرج البخاري عن البرَّاء بن عازب قال: "أول من قدم علينا من أصحاب النبي ، صلى الله عليه و سلّم : مصعب بن عمير، و ابن أم مكتوم ، فجعلا يقرئاننا القرآن. ثم جاء عمار و بلال و سعد ، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين. ثم جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به، فما جاء حتى قرأتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} في سورة مثلها" وهذا المعنى يصدق على كل ما حمله المهاجرون من القرآن وعلموه الأنصار.
11- ما حُمل من المدينة إلى مكة: و من أمثلته أول سورة "براءة"، حيث أمَّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر على الحج في العام التاسع. فلما نزل صدر سورة "براءة" حمَّله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ بن أبي طالب ليلحق بأبي بكر حتى يبلِّغ المشركين به. فأذَّن فيهم بالآيات وأبلغهم ألا يحج بعد العام مشرك.
12- ما نزل ليلًا وما نزل نهارًا: أكثر القرآن نزل نهارًا ، أما ما نزل بالليل فقد تتبعه القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري و استخرج له أمثلة منها :
- أواخر آل عمران: أخرج ابن حبان في صحيحه ، و ابن المنذر ، و ابن مردويه و ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها: أن بلالا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤذنه لصلاة الصبح فوجده يبكي ، فقال: يا رسول الله.. ما يبكيك ؟ قال: "و ما يمنعني أن أبكي و قد أُنزل عليَّ هذه الليلة": [ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ]. ثم قال: " ويل لمن قرأها ولم يتفكر" .
ومنها: آية الثلاثة الذين خُلِّفوا ، ففي الصحيحين من حديث كعب: "فأنزل الله توبتنا حين بقي الثلث الأخير من الليل".
و منها: أول سورة الفتح ، ففي البخاري من حديث عمر: "لقد نزلت عليَّ الليلةَ سورةٌ هي أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس" ، فقرأ: [ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ] .
13- ما نزل صيفًا وما نزل شتاءً: و يُمثِّلُ العلماء لما نزل صيفًا بآية الكلالة التي في آخر سورة النساء ، ففي صحيح مسلم عن عمر: "ما راجعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شيء ما راجعته في الكلالة ، و ما أغلظ في شيء ما أغلظ لي فيه ، حتى طعن بأصبعه في صدري وقال: "يا عمر ، ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر في النساء".
و من أمثلته الآيات التي نزلت في غزوة تبوك ، فإنها كانت في الصيف في شدة الحر كما في القرآن نفسه.
ويمثلون للشتائي بآيات حديث الإفك في سورة النور: [ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ] ، إلى قوله تعالى: [ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ] ، ففي الصحيح عن عائشة: "أنها نزلت في يوم شات".
و من أمثلته الآيات التي في غزوة الخندق من سورة الأحزاب حيث كانت في شدة البرد: أخرج البيهقي في "دلائل النبوة" عن حذيفة قال: "تفرق الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الأحزاب إلا اثني عشر رجلا ، فأتاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: " قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب" ، قلت: يا رسول الله، و الذي بعثك بالحق ما قمت لك إلا حياء ، من البرد ، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}..
14- ما نزل في الحضر وما نزل في السَّفَر: أكثر القرآن نزل في الحضر، ولكن حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت عامرة بالجهاد والغزو في سبيل الله حيث يتنزل عليه الوحي في مسيره ، و قد ذكر السيوطي لما نزل في السفر كثيرًا من الأمثلة.. منها أول سورة الأنفال ، نزلت ببدر عقب الواقعة ، كما أخرجه أحمد عن سعد ابن أبي وقاص – و قوله تعالى: [ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ]. أخرج أحمد عن ثوبان أنها نزلت في بعض أسفاره -صلى الله عليه وسلم- و أول سورة الحج ، أخرج الترمذي و الحاكم عن عمران بن حصين قال: "لما نزلت على النبي ، صلى الله عليه وسلم: [ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ، إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ] ، إلى قوله تعالى: [ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ].. أنزلت عليه هذه وهو في سفر. وسورة الفتح، أخرج الحاكم وغيره عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: "نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها".
تم بتوفيق الله تعالى شرح هذا الدرس ، و يليه ما بعده من تتمة الدرس .


و الله المستعان لا رب سواه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق