Translate

2014-10-27

الدرس التاسع من سلسلة دروس علوم القرآن .

بسم الله الرحمن الرحيم :


الدرس التاسع من سلسلة دروس علوم القرآن .


الموضوع : تابع لأسباب النزول .

 تعدد النزول مع وحدة السبب:

قد يتعدد ما ينزل والسبب واحد، ولا شيء في ذلك، فقد ينزل في الواقعة الواحدة آيات عديدة في سور شتى. ومثاله: ما أخرجه سعيد بن منصور وعبد الرزاق والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت: "يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} ... الآية.
وأخرج أحمد والنَّسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة قالت: "قلت: يا رسول الله، ما لنا لا نُذكر في القرآن كما يُذكر الرجال؟ فلم يرعني منه ذات يوم إلا نداؤه على المنبر وهو يقول: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} ... إلى آخر الآية.
وأخرج الحاكم عن أم سلمة أيضًا أنها قالت: تغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث؟ فأنزل الله: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} ، الآية ، و أنزل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} فهذه الآيات الثلاث نزلت على سبب واحد.


تقدم نزول الآية على الحكم:

يذكر "الزركشي" نوعًا يتصل بأسباب النزول يسميه: "تقدم نزول الآية على الحكم" ، والمثال الذي ذكره في ذلك لا يدل على أن الآية تنزل في حكم خاص ثم لا يكون العمل بها إلا مؤخرًا، وإنما يدل على أن الآية قد تنزل بلفظ مجمل يحتمل أكثر من معنى ثم يُحمل تفسيرها على أحد المعاني فيما بعد فتكون دليلًا على حكم متأخر. جاء في "البرهان": "واعلم أنه قد يكون النزول سابقًا على الحكم، وهذا كقوله تعالى: [ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ] ، فإنه يُستدل بها على زكاة الفطر، روى البيهقي بسنده إلى ابن عمر أنها نزلت في زكاة رمضان ، ثم أسند مرفوعًا نحوه، وقال بعضهم: لا أدري ما وجه هذا التأويل؟ لأن هذه السورة مكية، ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة".
وأجاب البغوي- رحمه الله تعالى - في تفسيره بأنه يجوز أن يكون النزول سابقًا على الحكم ، كما قال: [ لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ] ، فالسورة مكية ، وظهر أثر الحل يوم فتح مكة ، حتى قال عليه الصلاة والسلام: "أُحلت لي ساعة من نهار" .
وكذلك نزل بمكة: [ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ] ، قال عمر بن الخطاب: كنت لا أدري: أي الجمع يُهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: [ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ] .
فأنت ترى فيما ذكره صاحب البرهان أن صيغة سبب النزول محتملة للسببية ولما تضمنته الآية من الأحكام "رَوَى البيهقي بسنده إلى ابن عمر أنها نزلت في زكاة رمضان"، والآيات التي ذكرها مُجْمَلة تحتمل أكثر من معنى، أو جاءت بصيغة الإخبار عما يحدث في المستقبل {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} .

تعدد ما نزل في شخص واحد:

قد يحدث لشخص واحد من الصحابة أكثر من واقعة، ويتنزل القرآن بشأن كل واقعة منها، فيتعدد ما نزل بشأنه بتعدد الوقائع، ومثاله: ما رواه البخاري في كتاب "الأدب المفرد" في بر الوالدين عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: "نزلت فيَّ أربع آيات من كتاب الله عز وجل: كانت أمي حلفت ألا تأكل ولا تشرب ، حتى أفارق محمدًا -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: [ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ].

والثانية: أني كنت أخذت سيفًا فأعجبني فقلت: يا رسول الله. هب لي هذا السيف ، فنزلت: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} .

والثالثة: أني كنت مرضت فأتاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله. إني أريد أن أُقَسِّمَ مالي ، أفأُوصي بالنصف؟ فقال: لا، فقلت: الثلث، فسكت، فكان الثلث بعد جائزًا .

والرابعة: أني شربت الخمر مع قوم من الأنصار، فضرب رجل منهم أنفي بلحي جمل، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله عز وجل تحريم الخمر".

ويُعتبر من هذا القبيل ، موافقات عمر رضي الله عنه، فقد نزل الوحي موافقًا لرأيه في عدة آيات.

يتبع إن شاء الله تعالى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق