Translate

2015-04-20

الدرس الخامس من سلسلة دروس تاريخ التشريع الإسلامي .

بسم الله الرحمن الرحيم :

عنوان الدرس : تابع للمصدر الأول للتشريع ، القرآن الكريم .


التشريع في المدينة:
كان حادث الهجرة فاصلًا بين عهدين في تاريخ الإسلام، حيث استقرت العقيدة الإسلامية في نفوس نفر من المهاجرين وأصحاب البيعة من الأنصار، وتكونت النواة الأولى للمجتمع الإسلامي، واتخذت المدينة مستقرا لها، فبدأت الدعوة في طور عملي تنظيمي جديد، واتجه التشريع إلى بناء الأمة وتحديد علاقاتها الاجتماعية، وكانت اللبنة التي بدأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء هذا المجتمع الجديد أن آخى بين المهاجرين والأنصار، حيث كان الأنصاري يؤثر أخاه المهاجري على نفسه:
{وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .
وكانت المدينة بعد الهجرة تضم طوائف شتى:
تضم المهاجرين الذين هاجروا من مكة، وخلفوا وراءهم سائر عشيرتهم من المشركين.
وتضم الأنصار الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآووه ونصروه من الأوس والخزرج، وبين الأوس الأوس والخزرج معارك قديمة طاحنة تحز آثارها الدامية في النفوس.
وتضم جماعة من مرضى النفوس، الذين أظهروا الخضوع للإسلام انقيادًا لسطوة الدين الجديد، واستبطنوا الكفر والعداء لهذا الدين، وهم المنافقون.
وتضم اليهود الذين أقاموا بيثرب منذ زمن، وقرأوا الكتب المقدسة، ورأوا فيها البشارة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فعز عليهم بعد بعثه أن يذعنوا إليه، إبقاء على سلطانهم الديني، واستعلاء في الأرض {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} .
وقد اتجه التشريع المدني إلى مواجهة هذه العناصر بما يلائمها.
فاتخذ رباط العقيدة بين المؤمنين بالدين الجديد مهاجرين وأنصارا، أساسا لرباط الأمة الإسلامية، يحل محل رباط الدم في حياة القبيلة، وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من العصبية وجعلها من دعوى الجاهلية: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من مات على عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية" ، وقال فيها تلك العبارة المنفرة: "دعوها فإنها منتنة" .
وذكر الله أوصاف المنافقين، وحذر منهم في القرآن المدني، بما فيه تحليل لنفسياتهم وبيان لمخاطرهم.
أما اليهود فقد نزل القرآن بفضح سريرتهم بكتمان ما أنزل الله، وما ارتكبوا من ظلم من قتلهم الأنبياء، وصدهم عن سبيل الله وأخذهم الربا، وأكلهم أموال الناس بالباطل، وما جبلوا عليه من جبن وضعف وخيانة وغدر، حتى قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجهم من ديارهم.
وتناول التشريع في المدينة بقية العبادات، وهي الأركان العملية التي يبنى عليها الإسلام، فشرع الله الزكاة والصوم والحج.
وتناول شئون التعامل، فأحل الله البيع، وحرم الربا، وبيَّن ما يجب في المداينة من كتابة أو إشهاد، وما يكون من أداء أو إمهال، وأرشد إلى التجارة، ونهى عن أكل الأموال بالباطل.
وتناول نظام الأسرة في النكاح، والعشرة في الحياة الزوجية، والطلاق والميراث والوصية.
وتناول مشروعية القتال، وفرضية الجهاد، وما يتبع ذلك من عهود، أو فيء، أو غنيمة، أو أسر.
وتناول العقوبات على الجرائم الكبرى، صيانة للحقوق الإنسانية العامة التي جاءت بها الملل جميعا. وهي الكليات الخمس: حفظ الدين، والنفس، والمال، والنسل، والعقل. فيما فرض من قصاص أو حد.
وتناول شئون القضاء والحكم بالعدل بين الناس، وتحكيم كتاب الله تعالى:
{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} .
وخلاصة ذلك أن التشريع في المدينة أقام معالم حياة الأمة الإسلامية في جوانبها المختلفة، وحدد روابطها الاجتماعية وسلطانها السياسي، فكان الإسلام عقيدة وشريعة، ونظامًا متكاملًا للحياة، وكان محمد صلى الله عليه وسلم مؤسسا لدولته، فأكمل الله بهذا الدين، وأتم النعمة. 

ارتباط التشريع المدني بالتشريع المكي:

لا يستطيع الإنسان أن يفصل بين التشريع المكي والتشريع المدني؛ فإن المدني يعتبر امتدادا للمكي حيث بني التشريع في المدينة على قواعد التوحيد وأصول الدين التي نزل بها الوحي في مكة. قال الشاطبي:
"المدني من السور ينبغي أن يكون منزلا في الفهم على المكي، وكذلك المكي بعضه مع بعض، والمدني بعضه مع بعض، على حسب ترتيبه في التنزيل، وإلا لم يصح، والدليل على ذلك أن معنى الخطاب المدني في الغالب مبني على المكي، كما أن المتأخر من كل واحد منهما مبني على متقدمه، دل على ذلك الاستقراء، وذلك إنما يكون ببيان مجمل أو تخصيص عموم، أو تقييد مطلق، أو تفصيل ما لم يفصل، أو تكميل ما لم يظهر تكميله. وأول شاهد على هذا أصل الشريعة؛ فإنها جاءت متممة لمكارم الأخلاق ومصلحة لما أفسد قبلُ من ملة إبراهيم عليه السلام.
ويليه تنزيل سورة الأنعام؛ فإنها نزلت مبينة لقواعد العقائد وأصول الدين، وقد خرج العلماء منها قواعد التوحيد التي صنف فيها المتكلمون، من أول إثبات واجب الوجود إلى إثبات الإمامة. هكذا قالوا.
وإذا نظرت بالنظر المسوق في هذا الكتاب تبين به من قرب بيان القواعد الشرعية المكية التي إذا انخرم منها كل واحد، انخرم نظام الشريعة، أو نقص منها أصل كلي.
ثم لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان أول ما نزل عليه سورة البقرة، وهي التي قررت قواعد التقوى المبنية على قواعد سورة الأنعام؛ فإنها بنيت على أقسام أفعال المكلفين جملتها، وإن تبين في غيرها تفاصيل لها.
كالعبادات التي هي قواعد الإسلام.
والعادات من أصل المأكول والمشروب وغيرهما.
والمعاملات من البيوع والأنكحة وما دار بها.
والجنايات من أحكام الدماء وما يليها. وأيضا فإن حفظ الدين فيها، وحفظ النفس والعقل والنسل والمال مضمن فيها، وما خرج عن المقرر فيها فبحكم التكميل، فغيرها من السور المدنية المتأخرة عنها مبني عليها، كما أن غير الأنعام من المكي المتأخر عنها مبني عليها، وإذا تنزلت إلى سائر السور بعضها مع بعض في الترتيب وجدتها كذلك حذو القذة بالقذة" أهـ.

مميزات المكي والمدني:

الذي يقرأ القرآن الكريم يجد للآيات المكية خصائص، ليست للآيات المدنية في وقعها ومعانيها، وإن كانت الثانية امتداداً للأولى في الأحكام والتشريع، فحيث كان القوم في جاهلية تعمى وتصم، يعبدون الأوثان ويشركون بالله، وينكرون الوحي، ويكذبون بيوم الدين.
{وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُون} .
{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْر} .
وهم ألداء في الخصومة، أهل ممارات ولجاجات في القول. عن فصاحة وبيان، حيث كان القول. كذلك نزل الوحي المكي قوارع زاجرة، وشهبا منذرة، وحججا قاطعة، يحطم وثنيتهم في العقيدة، ويدعوهم إلى توحيد الألوهية والربوبية، ويهتك أستار فسادهم، ويقيم دلائل النبوة، ويضرب الأمثلة للحياة الآخرة، وما فيها من جنة ونار، ويتحداهم على فصاحتهم بأن يأتوا بمثل هذا القرآن، ويسوق إليهم قصص المكذبين الغابرين عبرة وذكرى، فتجد في مكي القرآن ألفاظا شديدة القرع على المسامع، تقذف حروفها بشرر الوعيد، وألسنة العذاب، فكلا الرادعة الزاجرة، والصاخة والقارعة، والغاشية والواقعة، وحروف الهجاء من فواتح السور، وآيات التحدي في ثناياها، ومصير الأمم السابقة.
{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} . وإقامة الأدلة الكونية، والمجادلة العقلية، كل هذا نجده من خصائص القرآن المكي.
وحين تكونت الجماعة المؤمنة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وامتحنت في عقيدتها بأذى المشركين، فصبرت وهاجرت بدينها، مؤثرة ما عند الله على متع الحياة، حين تكونت هذه الجماعة المؤمنة نرى الآيات المدنية طويلة المقاطع، تتناول أحكام الإسلام وحدوده، وتدعو إلى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وتفصل أصول التشريع، وتضع قواعد المجتمع، وتحدد روابط الأسرة، وصلات الأفراد وعلاقة الأمم، كما تفضح المنافقين وتكشف عن دخيلتهم، وهذا هو الطابع العام للقرآن المدني.

المكي والمدني:

للعلماء في المكي والمدني ثلاثة آراء اصطلاحية، كل رأي منها مبني على اعتبار خاص.

الأول: اعتبار زمن النزول، فالمكي ما نزل قبل الهجرة، وإن كان بغير مكة، والمدني ما نزل بعد الهجرة، وإن كان بغير المدينة. فما نزل بعد الهجرة ولو بمكة أو عرفة أو غيرهما مدني، كالذي نزل عام الفتح أو بحجة الوداع، كقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} .

وهذا الرأي أولى من الرأيين بعده لحصره واطراده.

الثاني: اعتبار مكان النزول، فالمكي ما نزل بمكة وما جاورها، كمنى، وعرفات، والحديبية، والمدني، ما نزل بالمدينة وما جاورها، كأحد، وقباء، وسلع.
ويترتب على هذا الرأي عدم ثنائية القسمة وحصرها. فما نزل بالأسفار أو بتبوك، أو بيت المقدس، لا يدخل تحت القسمة، فلا يسمى مكيا ولا مدنيا، كما يترتب عليه كذلك أن ما نزل بمكة بعد الهجرة يكون مكيا.
الثالث: اعتبار المخاطب، فالمكي، ما كان خطابا لأهل مكة.
والمدني: ما كان خطابا لأهل المدينة.
ويبنى على هذا الرأي عند أصحابه أن ما في القرآن من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاس} مكي.
وما فيه قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} مدني.

وبالملاحظة يتبين أن هذا لا يطرد، وأن أكثر سور القرآن لم تفتتح بأحد الخطابين، والقرآن خطاب الله للخلق أجمعين، ويمكننا أن نحصر على وجه الإجمال مميزات كل من المكي والمدني فيما يأتي:

مميزات المكي:

1- الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده، وإثبات الرسالة والبعث والجزاء بآيات الله الكونية والرد على المشركين ومجادلتهم، وقطع دابر خصومهم بالبراهين العقلية، وذكر القيامة وهولها، والنار وعذابها، والجنة ونعيمها.
2- وضع الأسس العامة للتشريع، والفضائل التي عليها يقوم المجتمع، وفضح جريمة المشركين في سفك الدماء وأكل أموال اليتامى ظلما، ووأد البنات، وما كانوا عليه من سوء العادات.
3- ذكر قصص الأنبياء والأمم السابقة زجرا لهم حتى يعتبروا بمصير المكذبين قبلهم، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يصبر على أذاهم، ويطمئن إلى الانتصار عليهم.
4- قصر الفواصل مع قوة الألفاظ، وإيجاز العبارة بما يصم الآذان، ويشتد قرعه على المسامع، ويصعق القلوب كقصار المفصل، إلا نادرًا.
5- وصيغة الخطاب في المكي تكون عامة كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاس} وقوله: {يَا بَنِي آدَمَ} . أما المدني فصيغة الخطاب فيه غالبًا للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} .
6- يكثر القسم في الآيات المكية، فقد جاء القسم فيها ثلاثين مرة، ولم يأت إلا مرة واحدة في المدينة في قوله تعالى {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} .

مميزات المدني:

1- بيان العبادات والمعاملات والحدود والمواريث وفضيلة الجهاد، ونظام الأسرة وصلات المجتمع والدولة، وقواعد الحكم، ومسائل التشريع.
2- مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ودعوتهم إلى الإسلام، وبيان تحريفهم لكتب الله، وتجنيهم على الحق، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم.
3- الكشف عن سلوك المنافقين، وتحليل نفسيتهم، وإزاحة الستار عن خباياهم، وبيان خطرهم على الدين.
4- طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة، ويوضح أهدافها ومراميها.
أسلوب القرآن في الطلب والتخيير ومنهجه في بيان الأحكام:
ينقسم الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام: الإيجاب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة.
ذلك لأن الخطاب إما أن يكون طلبا أو تخييرا، والطلب إما أن يكون طلب فعل أو طلب كف عن فعل، فإذا اقتضى طلب فعله فإن كان اقتضاؤه على وجه الإلزام فهو الإيجاب، والمطلوب فعله هو الواجب. وإن كان اقتضاؤه ليس على وجه الإلزام فهو الندب، والمطلوب فعله هو المندوب، وإذا اقتضى طلب كف عن فعل فإن كان اقتضاؤه على وجه الإلزام فهو التحريم، والمطلوب الكف عن فعله هو المحرم. وإن كان اقتضاؤه على وجه الإلزام فهو التحريم، والمطلوب الكف عن فعله هو المحرم. وإن كان اقتضاؤه ليس على وجه الإلزام فهو الكراهة، والمطلوب الكف عن فعله هو المكروه، وإذا اقتضى تخيير المكلف بين فعل شيء وتركه فهو الإباحة، والفعل الذي خير بين فعله وتركه هو المباح، فالمطلوب فعله قسمان: الواجب والمندوب، والمطلوب الكف عن فعله قسمان: المحرم، والمكروه، والمخير بين فعله وتركه هو القسم الخامس وهو المباح.
وحيث كان طلب الفعل شاملا للواجب والمندوب فإن التمييز بينهما يكون بدلالة الطلب على الإلزام، أو عدم دلالته عليه. وتعرف الدلالة على الإلزام بدلالة صيغة الطلب نفسها، أو بقرائن أخرى، كترتيب العقوبة على تركه، أو ذكر الفعل مقرونا بوعد أو نحو ذلك.

وحيث كان طلب الكف عن الفعل شاملا للمحرم والمكروه، فإن التمميز بينهما يكون بدلالة طلب الكف على الإلزام، أو عدم دلالته عليه. وتعرف الدلالة على الإلزام بدلالة صيغة طلب الكف نفسها، أو بقرائن أخرى كترتيب العقوبة على الفعل، أو ذكر الفعل مقرونا بوعيد أو نحو ذلك.
ويتضح من هذا العرض الموجز أن صيغة الطلب فعلا أو تركا ليست محصورة في صيغة الأمر، وصيغة النهي، فإن الصيغ متعددة ومنها ما هو موضع اتفاق، ومنها ما هو مختلف فيه ويستطيع الناظر في آيات القرآن الكريم، أن يخرج بجملة خواص لأسلوب القرآن في الطلب والتخيير، ومنهجه في بيان الأحكام.وقد استخلص الشيخ الخضري في كتابه "تاريخ التشريع الإسلامي" أساليب القرآن في طلب الفعل إيجابا أو ندبا، وأساليبه في طلب الكف تحريما أو كراهة. وأساليبه في التخيير، وآثرنا ذكرها بنصها مع إضافات يسيرة.

أولا- أساليب القرآن في طلب الفعل:

1- صريح الأمر ، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} .
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} .

2- الإخبار بأن الفعل مكتوب على المخاطبين، كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} .
وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} .

وقوله: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} .
3- الإخبار بأن الفعل على الناس عامة أو على طائفة منهم خاصة، كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} .
وقوله {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِك} .
4- الإخبار بأن الفعل حق لطائفة، كقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِين} .
5- الوصية بالفعل، كقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن}.
6- حمل الفعل المطلوب على المطلوب منه، كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} .
وقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} .
7- أن يطلب الفعل بالصيغة الطلبية وهي فعل الأمر أو المضارع المقرون باللام أو المصدر المؤكد لعامله كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} .
وقوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} .
وقوله: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَاب} .
8- التعبير بفرضه، كقوله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} .
9- ذكر الفعل جزاء لشرط في بعض المواضع كقوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ، وقوله: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} ، وقوله: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} .
10- وصف الفعل بأنه خير، كقوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} .
11- ذكر الفعل مقرونا بوعد، كقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} .
12- وصف الفعل بأنه بر أو موصل للبر، كقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِر} .
وقوله: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} .
وقوله: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون} .
13- اقتران الفعل بأداة التحضيض في بعض المواضع، كقوله تعالى: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} 8.
14- محبة الله للفعل كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}.

يتبع إن شاء الله تعالى .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق