بسم الله الرحمن الرحيم :
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً].
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ].
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، و خيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلّم ، و شرَّ الأمور محدثاتها ، و كلَّ محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة ، و قانا الله و إيّاكم من البدع و الضلالات و أهلها ، و سلكنا في أهل السنّة و الجماعة ، و على رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
معاشر المسلمين الكرام :
لقد تأملت في حالتنا كمسلمين ، تمرُّ علينا الأيام و الشهور ، و السنون و العقود ، و نحن على ما نحن عليه ، لا نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ، فلا لشرعنا تعلمنا ، و لا لأحكام الله نفذنا ، و لا لأوامره تعالى امتثلنا ، يحاول الدعاة و العلماء و أئمة المسلمين أن يعلّموا الناس و أن يبيّنوا لهم دينهم ، و ماذا يجب عليهم اتجاه ربهم تعالى ، و اتجاه أنفسهم ، و اتجاه عائلاتهم ، و اتجاه إخوانهم في العقيدة ، لقد خسرنا كل مواجهة مع الشيطان ، قليل منّا من حقّق انتصارا على نفسه و الشيطان و الهوى ، و العجيب أنّ معظمنا مازال في نفس الطريق الذي سار فيه منذ عشرات السنين و هو يعلم أنه لم يقدم للإسلام و المسلمين شيئا ، صحيح ربما حقّق بعض آماله في شراء بيت أو شراء سيارة ، أو زار مكانا كان يتمنى زيارته ، أو امتلك شيئا كان يتوق إليه ، لكننا في باقي الأصعدة ضيّعنا كل شيئ ، و لم نحاول يوما أن نستدرك أخطاءنا أو أن نتوب من واقعنا هذا أو أن نعوض عن تقصيرنا هذا .
لقد قرأت القرآن أتأمل ما حلّ بأمتي ؟ لماذا هم كذلك ؟ لماذا تنتشر المصليات و المساجد و لا نرى نماذج مسلمين كأصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم ؟ من أمثال : سعد بن معاذ ؟ أو عبد الرحمن بن عوف ؟ أو بلال ؟ أو خباب بن الأرّت ؟ أو خبيب بن عدي ؟
لماذا نرى كثرة نسائنا المسلمات المتحجبات و لا نرى في كثير منهن أخلاق سمية ، أو خديجة ، أو عائشة ، أو صفية ، أو أم سلمة ، أو حفصة رضي الله عنهن ؟
لماذا نرى كثرة الأولاد الذين يحضرون حلقات القرآن ، و لا نجد فيهم أمثال : أنس بن مالك ؟ أو مصعب بن عمير ؟ أو أسامة بن زيد ؟ أو عبد الله بن عمر ؟ عبد الله بن عبّاس ؟
فوجدت بعد التأمل و التدبر أن سبب ذلك يعود لأمور كثيرة يمكن أن نوجز القول فيها باختصار ، فنذكر الأهم منها على وجه بسيط يدركه كل من يسمعه .
فأقول و بالله التوفيق :
إنّ الخلل يعود لأسباب عديدة أذكر اليوم منها سببان رئيسان و هما :
الأول : هو عدم فهم هذا الدين كما فهمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
لقد حدثت انحرافات كثيرة في حياة المسلمين في مسيرتهم الطويلة خلال التاريخ ، إن كثيرا من الدعاة المخلصين أنفسهم ليظنون أن ما أصاب المسلمين قد أصابهم بسبب انحراف سلوكهم عن الصورة الإسلامية الصحيحة.
وانحراف المسلمين في سلوكهم أمر واضح لا يحتاج إلى بيان و شرح منّا. فإن ما تفشى في حياتهم من الكذب ، و الغش ، و النفاق ، و الضعف و حب الدنيا ،و البدع و المعاصي ، وما صار إليه الشباب من تفلت وتحلل ، وما صار الناس إليه من تبلد على الفجور والمنكر .. وعشرات غيرها من الصفات والأعمال ، كلها ليست من الإسلام في شيء، بينما هي الواقع الذي يعيشه " المسلمون "!
ومع ذلك فليس الانحراف السلوكي هو الانحراف الوحيد في حياة المسلمين ، و لا هو الانحراف الأخطر في حياتهم. ولو كان الأمر مقصورا على الانحراف السلوكي وحده لكان الأمر - على سوئه - أهون بكثير!
ولكن الأمر تجاوز ذلك إلى الانحراف في " المفاهيم " .. كل مفاهيم الإسلام الرئيسية ابتداء من لا إله إلا الله!
تجاوز الانحراف منطقة السلوك، ووصل إلى المفاهيم الرئيسية لهذا الدين.
ومن أجل ذلك يعاني الإسلام اليوم تلك الغربة التي تحدث عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء" رواه مسلم .
ولقد عاد غريبا بالفعل .. غريبا بين أهله أنفسهم، يتصورونه على غير حقيقته - فضلا عن سلوكهم المنحرف عنه - ويستغربونه حين يعرض لهم في صورته الحقيقية كما جاءت في كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذت تطبيقها الكامل في حياة السلف الصالح - رضوان الله عليهم -!
فحياة الإنسان لا تستقيم حتى يعلم " الحق " الذي خلقت به السماوات والأرض، وحتى تتوافق حياته مع ذلك الحق، فلا تنحرف عنه، ولا تشذ عن مقتضياته.
والحق أنه لا إله إلا الله .. هو الخالق وحده، وهو الرازق وحده، وهو المهيمن وحده، وهو المدبر وحده، وهو القيوم وحده .. ولا أحد غيره يخلق أو يرزق أو يدبر الأمر ..
ومقتضى ذلك كله أن يُعْبَدَ وحده ، لا يُشَرَكُ به غيره، ولا تُوَجَّهُ العبادة لأحد سواه ..
هذه عقيدة ينبغي أن تعلم و أن تكون منهاج حياة لنا و ليس شعارات زائفة تنطفها الألسن و يخالفها الفهم و السلوك .
فهل يستوي في ميزان الله من آمن به حق الايمان و فهم دينه و عمل بما يمليه عليه التزامه ، أو من ترك ذلك ، و ظن الدين كلاما يقوله اللسان و حركات تقوم بها أعضاء الإنسان .
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك ، 22 ] .
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) ( الرعد ، 16).
ومن فضل الله وكرمه أنه حين يؤدي العباد حق الله عليهم، من إفراده بالألوهية والربوبية، وتوجيه العبادة خالصة إليه، يكونون في أحسن تقويم كما خلقهم الله. و تكون حياتهم في الدنيا خير حياة وأنظف حياة وأجمل حياة، ويكون لهم في الآخرة ما وعدهم الله من الجزاء، بينما يتمتعون في الدنيا - إذا كفروا - متاع الحيوان، ويكون لهم في الآخرة ما توعد الله به من الجزاء.
قال تعالى : [ الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ ]، (محمد ، 12).
و قال أيضا : [ وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ] ( الزمر ، 17 ).
من أجل ذلك يحتاج الإنسان دائما إلى لا إله إلا الله بمعناها الذي فهمه أصحاب رسول الله .
ثانيا : هو عدم الخوف من الله تعالى .
إن سلوكيات المسلمين اليوم فيما بينهم كمسلمين ليست على ما يرام ، لقد أُتخمت بيوتنا بالمعاصي ، و امتلأت عقولنا بالشبهات ونفوسنا بالشهوات .
نفعل الذنب تلو الذنب ، وقلوبنا باردة لا تتذكر ولا تنيب .. يأكل بعضنا السحت الحرام و كأنه حلال .. تظهر بيننا المعصية ويقل من ينكرها ، بل يجالس صاحب المعصية و يؤانس ، و يؤاكل و يشارب دون نصح أو إنكار .
ذلكم أيها المسلمون ، عندما ضعف خوف الله في قلوبنا .
يقول تعالى : [ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين] آل عمران 175.
قال العلاّمة ابن سعدي –رحمه الله- : [ وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده ، وأنه من لوازم الإيمان ، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفهم من الله] .
أيها المسلمون :
من فقد الخوفَ من الله خاض في المعاصي ، و تملكته الشهوات ، ووقع في الشبهات ، وأكل الحرام ، وارتكب الكبائر، وقلَّ أمْرُهُ بالمعروف ونهْيُهُ عن المنكر ، و اغتاب و مشى بين المسلمين بالنميمة ، و فرّق بين المسلمين ، و قدّم قول مشايخه على قول ربّه تعالى خالق السماوات و الأرضين ، و و تأتيه بالىيات و الأحاديث فيعرض عنها ، و الله إن كل ذلك حاصل في أسواقنا ، و في مساجدنا ، و في تجمعاتنا ، أفلا نخاف الله و نتقيه و نتوب إليه و نرجع إليه .
إذا فارقَ الخوفُ القلوبَ أجدبت، ثم اسودت وأظلمت وقست وتحجرت، فلا تتأثرُ بموعظة، ولا تنتفع بتذكرة؛ فما الخوف من الله إلا مفتاحٌ يفتح الله به قلوباً غُلفا، وأعيُناً عُميا، وآذَاناً صُمَّا .
عباد الله :
لقد أمر الله جل وعلا بالخوف منه، وأثبت الإيمان للخائفين فقال تعالى : [ إنما يخشى الله من عباده العلماء ] ، فاطر 28 .
و قال سبحانه : [ يخافون ربهم من فوقهم و يفعلون ما يؤمرون ] النحل 50 .
لقد ذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم شدةَ عذابِه وقوَّةَ بطشه وسرعةَ أخذِهِ وأليمَ عقابِه، وما أعد من العذاب والنكال لمن عصاه واتبع هواه.
قال تعالى : [ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون ] الأنعام 51 .
فأين هم الخائفون من جبار السموات و الأرضين ، أم مازلنا نلعب ، و نلهو ، و نترك الصلاة و الزكاة ، و نترك ما أمر الله عز و جل به ، و نلفق التهم ، و نتكلم في الأعراض ، إن ربنا يسمعنا و ينظر إلينا ، فافعلوا ما شئتم إنكم ملاقوه .
وصيتنا لأخواتنا المسلمات : أن يبذلن جهدا إضافيا لفهم دينهم فهما صحيحا و اسألن أهل العلم و لا تسألن بعضكن بعضا ، فهذه تقول : ربما هو هكذا ، و الأخرى تقول ربما هكذا ، و الأمر ليس كذلك ، ليس الإسلام آراء هو دين و شرع و عقيدة و أخلاق ، و ليخفن الله حق الخوف فإنه يغضب على الذين تعدوا شرعه ، و عصوا أمره .
وفقنا الله تعالى لما يحبه و يرضاه .
الخطبة الثانية :
دعاء للمسلمين .
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].
[ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً].
[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ].
أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، و خيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلّم ، و شرَّ الأمور محدثاتها ، و كلَّ محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة ، و قانا الله و إيّاكم من البدع و الضلالات و أهلها ، و سلكنا في أهل السنّة و الجماعة ، و على رأسهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
معاشر المسلمين الكرام :
لقد تأملت في حالتنا كمسلمين ، تمرُّ علينا الأيام و الشهور ، و السنون و العقود ، و نحن على ما نحن عليه ، لا نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ، فلا لشرعنا تعلمنا ، و لا لأحكام الله نفذنا ، و لا لأوامره تعالى امتثلنا ، يحاول الدعاة و العلماء و أئمة المسلمين أن يعلّموا الناس و أن يبيّنوا لهم دينهم ، و ماذا يجب عليهم اتجاه ربهم تعالى ، و اتجاه أنفسهم ، و اتجاه عائلاتهم ، و اتجاه إخوانهم في العقيدة ، لقد خسرنا كل مواجهة مع الشيطان ، قليل منّا من حقّق انتصارا على نفسه و الشيطان و الهوى ، و العجيب أنّ معظمنا مازال في نفس الطريق الذي سار فيه منذ عشرات السنين و هو يعلم أنه لم يقدم للإسلام و المسلمين شيئا ، صحيح ربما حقّق بعض آماله في شراء بيت أو شراء سيارة ، أو زار مكانا كان يتمنى زيارته ، أو امتلك شيئا كان يتوق إليه ، لكننا في باقي الأصعدة ضيّعنا كل شيئ ، و لم نحاول يوما أن نستدرك أخطاءنا أو أن نتوب من واقعنا هذا أو أن نعوض عن تقصيرنا هذا .
لقد قرأت القرآن أتأمل ما حلّ بأمتي ؟ لماذا هم كذلك ؟ لماذا تنتشر المصليات و المساجد و لا نرى نماذج مسلمين كأصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم ؟ من أمثال : سعد بن معاذ ؟ أو عبد الرحمن بن عوف ؟ أو بلال ؟ أو خباب بن الأرّت ؟ أو خبيب بن عدي ؟
لماذا نرى كثرة نسائنا المسلمات المتحجبات و لا نرى في كثير منهن أخلاق سمية ، أو خديجة ، أو عائشة ، أو صفية ، أو أم سلمة ، أو حفصة رضي الله عنهن ؟
لماذا نرى كثرة الأولاد الذين يحضرون حلقات القرآن ، و لا نجد فيهم أمثال : أنس بن مالك ؟ أو مصعب بن عمير ؟ أو أسامة بن زيد ؟ أو عبد الله بن عمر ؟ عبد الله بن عبّاس ؟
فوجدت بعد التأمل و التدبر أن سبب ذلك يعود لأمور كثيرة يمكن أن نوجز القول فيها باختصار ، فنذكر الأهم منها على وجه بسيط يدركه كل من يسمعه .
فأقول و بالله التوفيق :
إنّ الخلل يعود لأسباب عديدة أذكر اليوم منها سببان رئيسان و هما :
الأول : هو عدم فهم هذا الدين كما فهمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .
لقد حدثت انحرافات كثيرة في حياة المسلمين في مسيرتهم الطويلة خلال التاريخ ، إن كثيرا من الدعاة المخلصين أنفسهم ليظنون أن ما أصاب المسلمين قد أصابهم بسبب انحراف سلوكهم عن الصورة الإسلامية الصحيحة.
وانحراف المسلمين في سلوكهم أمر واضح لا يحتاج إلى بيان و شرح منّا. فإن ما تفشى في حياتهم من الكذب ، و الغش ، و النفاق ، و الضعف و حب الدنيا ،و البدع و المعاصي ، وما صار إليه الشباب من تفلت وتحلل ، وما صار الناس إليه من تبلد على الفجور والمنكر .. وعشرات غيرها من الصفات والأعمال ، كلها ليست من الإسلام في شيء، بينما هي الواقع الذي يعيشه " المسلمون "!
ومع ذلك فليس الانحراف السلوكي هو الانحراف الوحيد في حياة المسلمين ، و لا هو الانحراف الأخطر في حياتهم. ولو كان الأمر مقصورا على الانحراف السلوكي وحده لكان الأمر - على سوئه - أهون بكثير!
ولكن الأمر تجاوز ذلك إلى الانحراف في " المفاهيم " .. كل مفاهيم الإسلام الرئيسية ابتداء من لا إله إلا الله!
تجاوز الانحراف منطقة السلوك، ووصل إلى المفاهيم الرئيسية لهذا الدين.
ومن أجل ذلك يعاني الإسلام اليوم تلك الغربة التي تحدث عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء" رواه مسلم .
ولقد عاد غريبا بالفعل .. غريبا بين أهله أنفسهم، يتصورونه على غير حقيقته - فضلا عن سلوكهم المنحرف عنه - ويستغربونه حين يعرض لهم في صورته الحقيقية كما جاءت في كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذت تطبيقها الكامل في حياة السلف الصالح - رضوان الله عليهم -!
فحياة الإنسان لا تستقيم حتى يعلم " الحق " الذي خلقت به السماوات والأرض، وحتى تتوافق حياته مع ذلك الحق، فلا تنحرف عنه، ولا تشذ عن مقتضياته.
والحق أنه لا إله إلا الله .. هو الخالق وحده، وهو الرازق وحده، وهو المهيمن وحده، وهو المدبر وحده، وهو القيوم وحده .. ولا أحد غيره يخلق أو يرزق أو يدبر الأمر ..
ومقتضى ذلك كله أن يُعْبَدَ وحده ، لا يُشَرَكُ به غيره، ولا تُوَجَّهُ العبادة لأحد سواه ..
هذه عقيدة ينبغي أن تعلم و أن تكون منهاج حياة لنا و ليس شعارات زائفة تنطفها الألسن و يخالفها الفهم و السلوك .
فهل يستوي في ميزان الله من آمن به حق الايمان و فهم دينه و عمل بما يمليه عليه التزامه ، أو من ترك ذلك ، و ظن الدين كلاما يقوله اللسان و حركات تقوم بها أعضاء الإنسان .
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك ، 22 ] .
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ) ( الرعد ، 16).
ومن فضل الله وكرمه أنه حين يؤدي العباد حق الله عليهم، من إفراده بالألوهية والربوبية، وتوجيه العبادة خالصة إليه، يكونون في أحسن تقويم كما خلقهم الله. و تكون حياتهم في الدنيا خير حياة وأنظف حياة وأجمل حياة، ويكون لهم في الآخرة ما وعدهم الله من الجزاء، بينما يتمتعون في الدنيا - إذا كفروا - متاع الحيوان، ويكون لهم في الآخرة ما توعد الله به من الجزاء.
قال تعالى : [ الَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ ]، (محمد ، 12).
و قال أيضا : [ وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ] ( الزمر ، 17 ).
من أجل ذلك يحتاج الإنسان دائما إلى لا إله إلا الله بمعناها الذي فهمه أصحاب رسول الله .
ثانيا : هو عدم الخوف من الله تعالى .
إن سلوكيات المسلمين اليوم فيما بينهم كمسلمين ليست على ما يرام ، لقد أُتخمت بيوتنا بالمعاصي ، و امتلأت عقولنا بالشبهات ونفوسنا بالشهوات .
نفعل الذنب تلو الذنب ، وقلوبنا باردة لا تتذكر ولا تنيب .. يأكل بعضنا السحت الحرام و كأنه حلال .. تظهر بيننا المعصية ويقل من ينكرها ، بل يجالس صاحب المعصية و يؤانس ، و يؤاكل و يشارب دون نصح أو إنكار .
ذلكم أيها المسلمون ، عندما ضعف خوف الله في قلوبنا .
يقول تعالى : [ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين] آل عمران 175.
قال العلاّمة ابن سعدي –رحمه الله- : [ وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده ، وأنه من لوازم الإيمان ، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفهم من الله] .
أيها المسلمون :
من فقد الخوفَ من الله خاض في المعاصي ، و تملكته الشهوات ، ووقع في الشبهات ، وأكل الحرام ، وارتكب الكبائر، وقلَّ أمْرُهُ بالمعروف ونهْيُهُ عن المنكر ، و اغتاب و مشى بين المسلمين بالنميمة ، و فرّق بين المسلمين ، و قدّم قول مشايخه على قول ربّه تعالى خالق السماوات و الأرضين ، و و تأتيه بالىيات و الأحاديث فيعرض عنها ، و الله إن كل ذلك حاصل في أسواقنا ، و في مساجدنا ، و في تجمعاتنا ، أفلا نخاف الله و نتقيه و نتوب إليه و نرجع إليه .
إذا فارقَ الخوفُ القلوبَ أجدبت، ثم اسودت وأظلمت وقست وتحجرت، فلا تتأثرُ بموعظة، ولا تنتفع بتذكرة؛ فما الخوف من الله إلا مفتاحٌ يفتح الله به قلوباً غُلفا، وأعيُناً عُميا، وآذَاناً صُمَّا .
عباد الله :
لقد أمر الله جل وعلا بالخوف منه، وأثبت الإيمان للخائفين فقال تعالى : [ إنما يخشى الله من عباده العلماء ] ، فاطر 28 .
و قال سبحانه : [ يخافون ربهم من فوقهم و يفعلون ما يؤمرون ] النحل 50 .
لقد ذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم شدةَ عذابِه وقوَّةَ بطشه وسرعةَ أخذِهِ وأليمَ عقابِه، وما أعد من العذاب والنكال لمن عصاه واتبع هواه.
قال تعالى : [ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون ] الأنعام 51 .
فأين هم الخائفون من جبار السموات و الأرضين ، أم مازلنا نلعب ، و نلهو ، و نترك الصلاة و الزكاة ، و نترك ما أمر الله عز و جل به ، و نلفق التهم ، و نتكلم في الأعراض ، إن ربنا يسمعنا و ينظر إلينا ، فافعلوا ما شئتم إنكم ملاقوه .
وصيتنا لأخواتنا المسلمات : أن يبذلن جهدا إضافيا لفهم دينهم فهما صحيحا و اسألن أهل العلم و لا تسألن بعضكن بعضا ، فهذه تقول : ربما هو هكذا ، و الأخرى تقول ربما هكذا ، و الأمر ليس كذلك ، ليس الإسلام آراء هو دين و شرع و عقيدة و أخلاق ، و ليخفن الله حق الخوف فإنه يغضب على الذين تعدوا شرعه ، و عصوا أمره .
وفقنا الله تعالى لما يحبه و يرضاه .
الخطبة الثانية :
دعاء للمسلمين .
بارك الله فيكم على هذه الخطبة النافعة المباركة و جزاكم الله خير ثواب الدنيا و الاخرة إنه سبحانه وليّ ذالك و القادر عليه. لكن في مقابل كل هاته المخالفات التي يقع فيها المسلمون اليوم و لا حولة و لا قوة إلاّ بالله، لم توجهوا لنا حلولاً كنموذج عملي!
ردحذفذكرتم مثلً كسبب رئيسي عدم الخوف من الله، فما هي الاسباب التي نحقق بها تقوى الله و بها تمتلئ قلوبنا بالخوف من الله تعالى؟ افيدونا حافظكم الله.
المحبّ لكم في الله، أبو عيسى.
و فيكم بارك الرحمن أخي أباعيسى ، و أسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده الصالحين الداعين إليه بأحسن أسلوب و أوفق بيان ، أما عن الأمر الذي تفضلت به ، فإن هذه الخطبة جزء من سلسلة حاولنا من خلالها أن نعرف الخلل الذي أصاب أمتنا ، و أن نستعرض كل ذلك وفق منظور شرعي يهتدي بهدايات الكتاب و السنة ، و في تضاعيف هذه السلسلة ذكرنا بعض العلاج و بعض الأسباب التي يمكن من خلال التمسك بها و العمل وفق مقتضاها أن يساهم في الحل المنشود ، و خصصنا خطبة أخرى لبيان ما الذي يجب فعله للخروج من المأزق الذي وقعت فيه الأمّة .
ردحذفو دمتم موفقين دائما و أبدا ، و أسأل الله لي و لكم الإخلاص و التجرد لله تعالى في كل عمل نعمله لوجهه الكريم، و اسلم لأخيك .
حذف