Translate

2016-12-04

تابع لكفارة من انتهك حرمة رمضان :



وعند الحنابلة من أفسد صوما واجبا بجماع عليه القضاء سواء كان في رمضان أو غيره .

ودليل ما سبق:

1- عن أبي هريرة من طريق أبي أويس "أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمر الذي أفطر في رمضان بالكفارة وأن يصوم يوما".

2- ومن طريق هشام بن سعد عن أبي هريرة "أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمره بأن يصوم يوما".

3- ومن طريق عبد الجبار بن عمر عن أبي هريرة "أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال للواطئ في رمضان "أقضى يوما مكانه".

4- ومن طريق الحجاج بن أرطأة عن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي –صلى الله عليه وسلم- "أنه أمر الواطئ في نهار رمضان أن يصوم يوما مكانه".

ذكر هذه النصوص ابن حزم وبين عللها وقال عنها أنها كلها ساقطة .

5- وروى أبو داود بإسناده وابن ماجه والأثرم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال للمجامع "وصم يوما مكانه".

6- ولأنه أفسد يوما من رمضان، فلزمه قضاؤه، كما لو أفسده بالأكل، أو أفسد صومه الواجب بالجماع، فلزمه قضاؤه كغير رمضان .

وللشافعية أقوال أحدها أن المجامع بغير عذر تجب عليه الكفارة ويندرج فيها القضاء .

واستدلوا على ذلك:

بحديث أبي هريرة قال "جاء رجل إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا، ثم جلس، فأتى النبي –صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر، فقال: تصدق بهذا؟ فقال: أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: أذهبت فأطعمه أهلك" متفق عليه . والعرق المكتل الضخم، لابتيها: يريد الحرتين، والحرة: هي الأرض المكبسة حجارة سوداء ، ودل الحديث على أن من لزمته لا قضاء عليه، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يأمر الأعرابي بالقضاء. ويرى ابن حزم أن الكفارة لا تجب إلا على من وطئ امرأته في الفرج عامدا، ولم يوجب القضاء، وذكر أقوالا متعددة في هذا الموضوع ورد عليها ، ولضعف هذه الأقوال وأدلتها نكتفي بالإشارة إلى موضعها لمن أراد الرجوع إليها.

وذكر ابن رشد أن قوما شذوا فلم يوجبوا على المضطر عمدا بالجماع إلا القضاء فقط، أما لأنهم لم يبلغهم هذا الحديث، وأما أنه لم يكن الأمر عزمة في هذا الحديث، لأنه لو كان عزمة لوجب إذا لم يستطع الإعتاق أو الإطعام أن يصوم، ولابد إذا كان صحيحا على ظاهر الحديث، وأيضا لو كان عزمة لأعلمه عليه الصلاة والسلام أنه إذا صح أنه يجب عليه الصيام أن لو كان مريضا .

الترجيح:

بعد العرض السابق يتبين لنا أن ما أستدل به القائلون بالقضاء والكفارة لم يسلم من الاعتراضات كما قال ابن حزم، وعلق ابن قيم الجوزية على الراوية التي أثبتت الزيادة وهي الأمر بالصوم وقال: هذه اللفظة غير صحيحة .

وذكر ابن حجر الطرق المثبتة لهذه الزيادة والتي خلت منها ثم قال : وبمجموع هذه الطرق تعرف أن لهذه الزيادة أصلا.

ومع أن ابن حجر يرى أن الأمر بالقضاء له أصل يرجع إليه –وهو شافعي- إلا أن دليل الشافعية حديث متفق عليه وهو بظاهره يدل على أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يوجب على الأعرابي إلا الكفارة، و يبقى الأمر محتملا .


المطلب الثاني :

هل الجماع في الفرج مطلقا يوجب الكفارة ؟

للفقهاء في هذا رأيان:

الرأي الأول:

يرى عامة أهل العلم أن الكفارة تلزم من جامع في الفرج في رمضان عامدا أنزل أو لم ينزل .

واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة السابق حيث أوجب النبي –صلى الله عليه وسلم- الكفارة على الرجل الذي واقع امرأته، دون أن يسأله عن تفاصيل الجماع.

وقال الأحناف : لا يشترط الإنزال في المحلين، لأنه لا يشترط الإنزال في الحد مع أنه عقوبة محضة فلأن لا يشترط في الكفارة وهي مشتملة على العبادة والعقوبة أولى.

ومنعوا أيضا اشتراط الإنزال اعتبارا بالاغتسال: يعني أنه إذا أدخل ولم ينزل وجب عليه الغسل، فكذلك الكفارة.


فإن قيل الكفارة تندرئ بالشبهات وانتفاء معنى الجماع وهو قضاء الشهوة يورث الشبهة والاغتسال يجب بالاحتياط، فقياس أحدهما على الآخر لا يكون صحيحا.

فالجواب: أنا نمنع انتفاء معنى الجماع، لأن قضاء الشهوة يتحقق دون الإنزال، والإنزال شبع، وليس بشرط، ألا ترى أن من أكل لقمة وجبت عليه الكفارة وإن لم يوجب الشبع.


الرأي الثاني:

حكى عن الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير أنه لا كفارة على من جامع في رمضان عامدا، لأن الصوم عبادة لا تجب الكفارة بإفساد قضائها، فلا تجب في أدائها كالصلاة .

ونوقش دليل المانعين للكفارة بأنه لا يجوز اعتبار الأداء في ذلك بالقضاء، لأن الأداء يتعلق بزمن مخصوص يتعين به، والقضاء محله الذمة، والصلاة لا يدخل في جبرانها المال بخلاف مسألتنا .


المطلب الثالث :

حكم من جامع دون الفرج وأنزل .

اختلف الفقهاء في الجامع دون الفرج إذا اقترن به الإنزال على رأيين:

الرأي الأول:

ذهب الإمام مالك، وأحمد في رواية، وعطاء والحسن وابن المبارك واسحق إلى أن الجامع دون الفرج إذا اقترن به الإنزال يوجب الكفارة .

ودليل هذا:

1- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يستفصل من السائل عن الوقائع في حديث أبي هريرة السابق.

2- ولأن هذا قصد إلى الفطر، وهتك حرمة الصوم بما يقع به الفطر، فوجبت الكفارة كالمجامع .

الرأي الثاني:

لا كفارة فيه ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ، و أحمد في الرواية الثانية ، و الظاهرية .

ودليل هذا:

أن الجماع دون الفرج إذا اقترن به الإنزال فهو فطر بغير جماع تام، فأشبه القبلة.

ولأن الأصل عدم وجوب الكفارة، ولا نص في وجوبها، ولا إجماع، ولا قياس .

وقال الأحناف : من جامع فيما دون الفرج فأنزل فعليه القضاء، لأن الجامع فيه جماع معنى، وليس به صورة، فلا كفارة عليه.

ونوقشت أدلة الرأي الأول:

1- بأنه لا يطلق على من وطئها في غير الفرج اسم واطئ، ولا اسم مواقع، ولا اسم مجامع، ولا أنه وطئها، ولا أنه وقع عليها، ولا أنه جامعها، إلا حتى يضاف إلى ذلك صلة البيان، فإيجاب الطهارة على غير من ذكرنا مخالف للسنة وتعدي لحدود الله تعالى في ذلك، وإيجاب ما لم يوجبه .

2- ولا يصح القياس على الجامع في الفرج، لأنه أبلغ بدليل أنه يوجبها من غير إنزال، ويجب به الحد إذا كان محرما ويتعلق به أثنا عشر حكما، ولأن العلة في الأصل الجامع بدون الإنزال، والجامع هنا غير موجب، فلم يصح اعتباره به .

الترجيح:

بعد العرض السابق لأقوال الفقهاء وأدلتهم يظهر منزع كل طائفة ووجهة نظرها و قوة دليل كل مذهب ، و بيان أن كل مذهب لم يرجح قوله بالتشهي ، و الهوى ، و على طالب العلم أن ينظر في أقوال هؤلاء ليطمئن أن اجتهادات العلماء مصونة عن الهوى و التشهي .

ويتعلق بما سبق تعمد إفساد الصوم بالاستمناء:

فمن استمنى بيده فقد فعل محرما، ولا يفسد صومه به إلا أن ينزل، فإن أنزل فسد صومه وعليه القضاء دون الكفارة عند جمهور الفقهاء ، لأن النص ورد في الجماع، وهذا ليس في معناه.
وقال المالكية، وأبي خلف الطبري من الشافعية أن من استمنى بيده فأنزل تجب عليه الكفارة .

يتبع إن شاء الله تعالى .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق