: بسم الله الرحمن الرحيم
ثبت أن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور قال للإمام مالك إمام دار الهجرة: يا أبا عبدالله لم يبق على وجه الأرض عالم غيري وغيرك، أما أنا فقد اشتغلت في السياسة، وأما أنت فضع للناس كتاباً في السنة والفقه، وتجنب فيه رخص ابن عباس وتشديدات ابن عمر وشواذ ابن مسعود ووطنه توطئة
.[ فكان ذلك الكتاب هو [ موطأ مالك
وما قاله الخليفة العباسي صحيح ، قد أشار الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في [ زاد المعاد ] إلى مثل ذلك عندما قال: بعض المسائل ترخص بها ابن عباس وتشدد بها ابن عمر، فعبدالله بن عمر كان يشدد في بعض الأمور التي لم يكن الصحابة يوافقونه عليها
فكان على سبيل المثال يغسل داخل عينيه في الوضوء، وكان إذا مسح رأسه أفرد أذنيه بماء جديد، وكان لا يرى دخول الحمام «الحمام بعرف ذلك الزمان للاغتسال» وكان يتيمم بضربتين ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين، وكان يتوضأ من قبلة امرأته، وإذا قبّل أولاده تمضمض
أما ابن عباس فكان يدخل الحمام، وفي التيمم كان يقول: ضربة واحدة للوجه والكفين، وكان يقول عن تقبيل امرأته: ما أبالي قبلتها أو شممت ريحانا
ويظهر من هذا العرض أن ابن عباس كان يجتهد ويميل إلى التيسير على الناس، لأن الدين يسر وابن عمر كان يجتهد لكنه يأخذ
بالأشد ، لأن الاحتياط فيه واجب أيضاً
وعن غرائب ابن مسعود أو شواذه في فتاواه أو آرائه ذكروا أشياء كثيرة، ومن ذلك قوله إن المعوذتين ليستا من القرآن، فهو رغم أنه من السابقين في الدخول في الإسلام، لكن كما يقول العلماء فاتته بعض الأشياء، فالمعوذتان في نظره دعاء، فكان كلما وجدهما حكّهما كي لا تدخلا المصحف لأنهما دعاء
ولا يعد هذا منقصة في حق ابن مسعود فهو من حفاظ القرآن الكريم ومن الذين أشاد الرسول صلى الله عليه وسلم بحسن تلاوتهم، ففي الحديث: «أن الرسول قال: من أحب أن يقرأ القرآن غضاً فليقرأه على قراءة أم أم عبد، يعني عبدالله بن مسعود
ومن غرائب ابن مسعود أيضاً أنه كان إذا صلى يشبك بين كفيه ثم يدخلهما وهو راكع بين فخذيه ولا يقبض بكفيه على ركبتيه كما هي السنة، وكان هذا مما علم نسخه كما في الصحيح
رضي الله عن ابن مسعود الذي كان من السابقين للإسلام ، وأحد الأربعة الذين ثبتوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم غزوة أحد، وهو الذي حز رأس أبي جهل يوم غزوة بدر
فلهذا ما اختص به هؤلاء السادة الثلاثة دون غيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فعلى العالم أن يتنبه له أن لا يكون مخالفا لاجماع العلماء أو مما تفردوا به رضي الله عنهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق