Translate

2015-02-16

الدرس الثاني من سلسلة دروس تاريخ التشريع الإسلامي .

               بسم الله الرحمن الرحيم :


عنوان الدرس :تعريف تاريخ التشريع الإسلامي ، و مكانته.

معنى الشريعة والتشريع:

الشرع في اللغة: مصدر شرَع بالتخفيف، والتشريع، مصدر شرَّع بالتشديد، والشريعة في أصل الاستعمال اللغوي: مورد الماء الذي يقصد للشرب، ثم استعملها العرب في الطريقة المستقيمة، وذلك باعتبار أن مورد الماء سبيل الحياة والسلامة للأبدان، وكذلك الشأن من الطريقة المستقيمة التي تهدى الناس إلى الخير، ففيها حياة نفوسهم، وريِّ عقولهم، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}. ويقال: "شرعت الإبل"، إذا وردت شريعة الماء، و"شرع له الأمر" بمعنى سنه وبيَّن طريقته: قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}. وقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه}. قال صاحب القاموس: الشريعة ما شرعه الله لعباده. وقال الراغب: الشرع: نهج الطريق الواضح. يقال: شرعت له طريقا، والشرع مصدر، ثم جعل اسما للطريق النهج، فقيل له: شرع، وشريعة، واستعير ذلك للطريقة الإلهية، قال بعضهم: سميت الشريعة شريعة: تشبيها بشريعة الماء من حيث إن من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة روى وتطهر.

والشريعة الإسلامية في الاصطلاح:

ما شرعه الله لعباده من العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات ونظم الحياة، في شعبها المختلفة لتنظيم علاقة الناس بربهم والشريعة بهذا المعنى خاصةٌ بما جاء عن الله تعالى، وبلغه رسلُه لعباده، والله هو الشارع الأول، وأحكامه هي التي تسمى شرعا، فلا يجوز إطلاق هذا على القوانين الوضعية؛ لأنها من صنع البشر، وقد جرى عرف كثير من الكاتبين على تسمية القوانين الوضعية بالتشريع الوضعي، وتسمية الوحي الإلهي بالتشريع السماوي، والحق أن الشرع أو الشريعة لا يجوز إطلاقها إلا على الطريقة الإلهية دون سواها من طرائق الناس وأنظمتهم.

مكان الشريعة الإسلامية بين الشرائع السماوية الأخرى:

خلق الله الناس وفَطَرَهم على الإيمان به، وركز في طباعهم من الغرائز والميول ما يعرض حياتهم للانحراف عن الحق تحت تأثير النزعات الجامحة والأهواء المختلفة: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، "كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" "متفق عليه". وذلك هو العهد الذي أخذه الله على بنى آدم: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}. فاقتضت حكمة الله أن يصطفي من عباده رسلًا يرُدُّون الناس إلى فطرتهم ويرشدونهم 

... المثل العليا في تقويم الأخلاق، والاهتداء بهدي الله حتى تقوم عليهم الحجة: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.
وكانت رسالة كل رسول قاصرة على قومه، خاصة في إصلاح ما فسد من عقائدهم وأخلاقهم، والعمل على تهذيب نفوسهم وأرواحهم، بمرجعهم إلى فطرة التوحيد؛ حيث كانت المجتمعات الإنسانية في أطوارها الأولى محدودة المطالب، بدائية النشأة، سطحية التفكير محصورة في نطاق بيئتها: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِير} ، ولم يك أمر الناس في المعاملة متشعب النواحي، ضيق المسالك حتى تحتاج الخليقة إلى نظم تذلل بها عقبات الحياة، وتحل مشاكلها فلم يشأ الله البقاء لرسالة رسولٍ قبل محمد صلى الله عليه وسلم؛ كي تحمل عناصر الخلود، فكانت شريعة كل رسول خاصة بقومه للمحافظة على عقيدة التوحيد التي فطر عليها الخلق في عبودية الإنسان لله وحده رب العالمين، وتقويم حياتهم على هدى من الله.
فلما نمت معارف الإنسان، واتسعت مطالبه، وتعقدت أمامه مشاكل حياته، أذن الله بفجر دين جديد يلقي أضواءه على جوانب الحياة كلها؛ ليكتمل صرح الحضارة الإنسانية التي بناها رسل الله، فكان هذا الدين هو شريعة الإسلام: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا اللبنة، وأنا خاتمة النبيين" "متفق عليه".
وأخذ الله على أنبيائه بذلك العهد والميثاق: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}.

فالوحي الإلهي المتتابع يمثل نهرا تكونت له روافد، وتفرعت جداول، تروي ما يذبل من أيك العقيدة، وما يجف من أعواد الفضيلة لتبقى خصائص الإنسانية .
وقد انتهى مصب هذا الماء الغدق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم نبي الإسلامي، والنصوص القرآنية تعلن وحدة هذا التشريع من منبعه إلى مصبه.

{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}.

والقرآن الكريم يحكي رسالات الأنبياء السابقين بعنوان القومية الخاصة.

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}.

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ}.

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ}.

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ}.

ويقول تعالى في شأن عيسى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرائيل}.

ولكن رسولنا محمدا صلى الله عليه وسلم يعلن عالمية دعوته وأستاذيته للدنيا،ونبوته للعالمين، وختمه للنبيين.

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}.

وفي الحديث: "كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة" رواه البخاري و: "أنا العاقب فلا نبي بعدي" متفق عليه.
وقد اتفقت الشرائع السماوية في أصل العقيدة بالدعوة إلى توحيد الله تعالى، والإيمان به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}.

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.

واتفقت في أصول العبادات والأخلاق والتهذيب النفسي:

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى، إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

وأكثر الشرائع السماوية لم تتجاوز هذه الأصول: عقيدة، وعبادة، وخلقا، وبمثلها في التربية النفسية والمعاني الروحية النصرانية شريعة عيسى عليه السلام.
أما الشريعة اليهودية التي أرسل الله بها موسى عليه السلام فقد شملت بعض أنواع المعاملات، إلا أنها كانت محدودة، تحمل طابع بيئة بني إسرائيل، ولم تكتسب صفة العموم والشمول التي تجعلها صالحة لزمن آخر، أو لقوم آخرين، وقد أشار القرآن الكريم في عقوبتهم بتحريم الطيبات عليهم إلى هذا:
{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا، وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}1.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال:
"إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن أمرأة منهم ورجلًا زنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تجدون في التوراة من شأن الرجم" ؟ قالوا: نفضحهم ويجلدون. قال عبد الله بن سلام: كذبتم، فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقال: صدقت يا محمد، فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما، قال: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة؛ ليقيها الحجارة".
أما شريعة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم فإنها جاءت وافية بمطالب الحياة الإنسانية، تسد عوزها، وتحقق لها أهداف العمران في شتى جوانب حياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فالإسلام عقيدة وعبادة، وخلق وتشريع، وحكم وقضاء، ومسجد وسوق، وهو علم وعمل، ومصحف وسيف، وهذا هو ما نعنيه عندما نقول: "الإسلام دين ودولة". 

وقد اكتسبت نصوص الشريعة الإسلامية من المرونة والعموم ما جعل قواعدها صالحة للناس كافة في كل عصر من العصور، تساير عوامل النمو والارتقاء، وتقود الحضارة الإنسانية إلى معالم الحق وسبيل الرشاد، ولهذا أكمل الله بها الدين وأتم النعمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا}.
الفرق بين التشريع السماوي والتقنين الوضعي:
تحدثنا آنفا عن كل من القانون الوضعي والتشريع السماوي، وبهذا يتبين الفرق بينهما، وقد ذكر هذه الفوارق على وجه التفصيل الشهيد عبد القادر عودة في مقدمة الجزء الأول من كتابه "التشريع الجنائي في الإسلام"، ونحن نجمل ذلك فيما يلي:
1- القانون الوضعي تنظيم بشري من صنع الناس، لا ينبغي مقارنته بالتشريع السماوي الذي جاء من عند الله؛ للفرق بين الخالق والمخلوق، ولن يستوي لدى العقول أن يقارن ما صنعه الناس بما صنعه رب الناس.
2- والذين يضعون القانون بشر، يخضعون للأهواء والنزعات، وتتغلب عليهم العواطف البشرية، فيقعون تحت تأثير هذه العوامل التي تحيد بهم عن تقدير الحق، والقيام على شئون الحياة بالقسط، ومهما ارتقى الناس في سلم المعرفة، فإنهم لا يستطيعون أن يدركوا حقائق الأمور، وأن يحيطوا بها خبرًا، وبهذا تكون القوانين الوضعية عرضة للتغيير والتبديل، ولا يكون لها مقياس ثابت لحكم، فما هو حلالٌ اليوم قد يصير حرامًا غدًا، وبذلك تختلف موازين الحياة ومقاييس الخير والشر، وتتلون بتلون الإنسان وتحوُّل ميوله وعواطفه، فتظل الحياة الإنسانية في اضطراب دائم، كما نشاهده اليوم في حياة الأمم التي تحكم بغير ما أنزل الله.
والشريعة وحي إلهي منزه عن ذلك كله، فهي تنزيل الحكيم العليم، الذي يعلم  أحوال عباده، وما يصلح معاشهم ومعادهم، وما يحقق لهم الخير في دنياهم وأخراهم {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، وهو سبحانه منزه عما يعتري الخلق من القصور والنقص {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}. وقد بنيت الشريعة الإسلامية الأصول الكلية التي تقوم عليها حياة البشر، ولا سبيل إلى الأخذ فيها بالرأي المجرد عن الدليل، والنبي صلى الله عليه وسلم مع عصمته لا يتبع إلا الوحي {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيّ}، ولا يكون حكمه إلا بما علم عن الله {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّه}، وانتزاع التشريع من أيدي البشر، ورده إلى الله ورسوله يضع لنا شريعة ربانية ثابتة المقياس لا يعتريها خلل أو قصور.
3- والقانون الوضعي نظام محدود القواعد، يلبي حاجة الجماعة لتنظيم حياتهم الحاضرة، ويتطور بتطورها، نشأ بادئ ذي بَدء في نظام الأسرة، ثم في نظام القبيلة، ولم يتحول إلى نظريات علمية إلا في القرن التاسع عشر.
والتشريع السماوي -بعامة- يولد متكاملًا وافيًا بمطالب الحياة، محكم النسيج، صافي المورد.
4- وقواعد القانون الوضعي مؤقتة لجماعة خاصة في عصر معين، فهي في حاجة إلى التغيير كلما تطورت الجماعة وتجددت مطالبها.
وقواعد الشريعة الإسلامية -بصفة خاصة- لم تأت لقوم دون قوم، أو لعصر دون عصر، ولكنها قواعد كلية ثابتة مستقرة، تسد حاجة الجماعة وترفع مستواها في كل عصر، وقد مر على الشريعة الإسلامية زهاء أربعة عشر قرنا من الزمان، تغيرت فيها أوضاع الجماعات، واندثرت فيها مئات القوانين والأنظمة، وانقلبت 5- والقانون الوضعي لا يتناول سوى المعاملات المدنية، في الشئون الاجتماعية والاقتصادية التي تقوم عليها سلطة الدولة إذا استثنينا ما يتصل بالعلاقات الدولية، ولا يمت بصلة إلى عقيدة التوحيد ومقتضياتها.
والشريعة الإسلامية تتناول الإيمان بالله ورسله وعالم الغيب، وصلة العبد بربه، وسلوكه الأخلاقي، وأنظمة الحياة المختلفة في شتى مرافقها.
6- والقوانين الوضعية تهمل المسائل الأخلاقية، وتقصر المخالفة على ما فيه ضرر مباشر بالأفراد، أو إخلال بالأمن والنظام العام، فلا تعاقب القوانين الوضعية على الزنا في هاتين الحالتين يمس ضرره المباشر الأفراد، كما يمس الأمن العام، وأكثر القوانين الوضعية لا تعاقب على شرب الخمر، ولا تعاقب على السكر لذاته، وإنما تعاقب السكران إذا وجد في الطريق العام في حالة سكر بيِّن، فالعقاب على وجوده في حالة سكر في الطريق العام؛ لأن وجوده في هذه الحال يعرض الناس لأذاه واعتدائه، وليس العقاب على السكر لذاته باعتباره رذيلة، ولا على شرب الخمر باعتبار أن شربها مضر بالصحة، مذهب للعقل، متلف للمال، مفسد للأخلاق.
والشريعة الإسلامية شريعة أخلاقية، وليست الأخلاق في الإسلام أدبا يجمل صاحبه، ولكنها التزامات من واجبات الدين.
والأخلاق في الإسلام غاية تربوية للعبادات، والتزام أدبي في المعاملات، يجعل حياة الناس قائمة على المعروف والحسنى، وقد حث الإسلام على أمهات الفضائل الإنسانية ودعا إلى المثل العليا، وأثنى على مكارم الأخلاق، وقال الله في نبيه صلى الله عليه وسلم : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم}.
والشريعة الإسلامية تنبثق من شريعة الحلال والحرام، والإيمان بالدار الآخرة، وتربي الضمير الإنساني؛ ليكون رقيبا على المسلم في السر والعلن، يخشى عقاب الله الأخروي أكثر من خشيته للعقاب الدنيوي، فالفعل التعبدي، أو المدني أو الجنائي، أو الدستوري، أو الدولي، له أثره المترتب عليه في الدنيا من أداء الواجب، أو إفادة الحل والملك، أو إنشاء الحق أو زواله، أو توقيع العقوبة، أو ترتيب المسئولية، ولكن هذا الفعل الذي يترتب عليه أثره في الدنيا له أثر آخر مترتب عليه في الآخرة هو المثوبة أوالعقوبة الأخروية، ومن يتتبع آيات الأحكام يجد كثيرا منها قد رتب عليها جزاءان: جزاء دنيوي وجزاء أخروي.

ففي القتل يقول تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.

وفي قطع الطريق أو الحرابة يقول تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم}.

وفي إشاعة الفاحشة ورمي المحصنات يقول جل شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}... إلى غير ذلك من الآيات.
وبذلك يقيم الإسلام من داخل النفس البشرية رقابة على تعاليمه، بحيث يرعاهم المسلم في جوف الليل، كما يرعاها في وضح النهار، والأدلة الظاهرة لإثبات الحق في القضاء لا تجعل هذا الحق حلالا لمستحقه إلا إذا كان حقا له في الواقع، وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم خصومة بباب حجرته فخرج إليها فقال: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأحسب أنه صدق فأقضى له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار، فليأخذْها أو ليتركْها" متفق عليه.
أدوار التشريع ومراحله في تاريخ الفكر الإسلامي:
يذهب بعض الباحثين في تقسيم أدوار التشريع والفقه الإسلامي إلى مراعاة النشأة والتطور، والقوة والضعف، في تاريخ الفكر الإسلامي، فيقسمون الأدوار التي مر بها التشريع والفقه إلى الأدوار الآتية:

الدور الأول: وهو عصر التشريع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الخلفاء الراشدين.

الدور الثاني: الدور التأسيسي للفقه، ويشمل العمل الفقهي في العصر الأموي، والكلام على مدرسة الحجاز ومدرسة العراق.

الدور الثالث: دور النهضة الفقهية، وتأسيس المذاهب، وتدوين الحديث والفقه.

الدور الرابع: دور التقليد وسد باب الاجتهاد بعد أن استقرت المذاهب.

الدور الخامس: دور اليقظة الفقهية وحركة الإصلاح الديني في الوقت الحاضرلفتح باب الاجتهاد.

ويذهب آخرون في تقسيمهم إلى مراعاة الأحداث السياسية والاجتماعية التي كان لها أثر في الفقه الإسلامي، فيقسمونه إلى الأدوار الآتية:
1- عهد التشريع: من البعثة إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 11 هـ.
2- الدور الفقهي الأول: الفقه في عصر الخلفاء الراشدين 11-40هـ.
3- الدور الفقهي الثاني: الفقه في عهد صغار الصحابة وكبار التابعين إلى أوائل القرن الثاني الهجري.
4- الدور الفقهي الثالث: الفقه من أوائل القرن الثاني إلى منتصف القرن الرابع.
5- الدور الفقهي الرابع: الفقه من منتصف القرن الرابع إلى سقوط بغداد سنة 656 هـ.
6- الدور الفقهي الخامس: من سقوط بغداد إلى الوقت الحاضر.
وقد آثرنا التقسيم الثاني دون التزام بتفاصيل الأحداث الجزئية مع مراعاة الاهتمام بالجانب الموضوعي وما يستحق من عناية.
عصر التشريع "من البعثة إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 11 هـ":

حالة العرب والعالم عند البعثة وبيان المهمة التي جاء بها الإسلام:

ساد العالم في القرن السادس الميلادي -قبيل البعثة- دولتان كبيرتان على مقربة من جزيرة العرب؛ إحداهما دولة الفرس في الشمال الشرقي، والأخرى دولة الروم في الشمال والغرب. ولكل دولة من هاتين الدولتين حضارة ذات ثقافة وقانون، ولها عقائد تدين بها.
ففي الفرس تعاقب الملوك الأكاسرة، الذين بسطوا نفوذهم على أجزاء العالم المحيطة بهم، وبنوا لأنفسهم حضارة سميت بالحضارة الفارسية، وكانت آخر دولة حكمت الفرس قبل الإسلام "الدولة الساسانية" التي استمرت في الحكم من سنة 226م إلى سنة 651م حين استولى عليها المسلمون. 

واشتهر الفرس بميلهم إلى عبادة المظاهر الطبيعية، وكانت تعاليم "زرادشت" -الذي زعموه نبيا لهم- تقوم على أساس أن هناك نزاعا وتصادما بين القوى المختلفة: بين النور والظلمة، والخصب والجدب... إلخ، وأن للعالم أصلين أو إلهين؛ أصل الخير، وأصل الشر، وهما في نزاع دائم، ولكل من هذين الأصلين قدرة الخلق، فأصل الخير هو النور، وقد خلق كل ما هو حسن وخير ونافع، كخلق الحيوانات النافعة، والطيور الجميلة، وأصل الشر هو الظلمة، وقد خلق كل ما هو شر في العالم، فخلق الحيوانات المفترسة والحيات والحشرات وما شابهها، ولكن الفوز النهائي لروح الخير، وترى الزردشتية أن للإنسان حياتين؛ حياة أولى في الدنيا وحياة أخرى بعد الموت، ونصيبه من حياته الآخرة نتيجة لأعماله في حياته الأولى، وأن يوم القيامة قريب، حين ينتصر إله الخير على إله الشر.
واتخذ الفرس النار رمزًا لآلهة الخير، يشعلونها في معابدهم، وينفحونها بأمدادهم حتى تقوى على آلهة الشر وتنتصر عليها.
ولم تخرج تعاليم "ماني" في المانوية التي شاع مذهبها عن تعاليم "زرادشت" إلا في القليل من آرائها. وحول سنة 487م ظهر في فارس "مزدك" ودعا إلى مذهب ثنوي جديد، فكان يقول أيضا بالنور والظلمة، ولكنه عرف بتعاليمه الاشتراكية، فكان يرى أن الناس ولدوا سواء فليعيشوا سواء، وأهم ما تجب فيه المساواة: المال والنساء.

قال الشهرستاني: "وكان "مزدك" ينهى الناس عن المخالفة والمباغضة والقتال، ولما كان أكثر ذلك إنما يقع بسبب النساء والأموال، فأحل النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيها كاشتراكهم في الماء والكلأ والنار".

وكان للفرس قانون في عهد الدولة الساسانية، تضمن الكلام على الأحوال الشخصية كالزواج، وعلى الملكية، وعلى الرق، وبعض الشئون العامة.

أما دولة الروم التي كان يحكمها القياصرة، فقد قامت حضارتها على الفلسفة النظرية والجدل المنطقي "اليوناني" ثم "الروماني"، وتوارثت آراء سقراط وأفلاطون وأرسطو، وسيطرت على مناطق البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الشام ومصر والمغرب، حيث كانت عقائد النصرانية على اختلاف مذاهبها، ولقد لجأت النصرانية إلى الفلسفة اليونانية؛ لتستعين بها على الجدل، ولتؤيد تعاليمها وعقائدها أمام الوثنيين، وكانت الإسكندرية هي المركز الجغرافي لمزج الدين بالفلسفة، وظهر فيها المذهب المعروف بـ "الأفلاطونية الحديثة"، وذلك منذ عام 200 م تقريبا. وظلت النصرانية منتشرة في الشام ومصر والمغرب والنوبة والحبشة والعراق. كما قام السريانيون بنشر الفلسفة اليونانية، واتخذوا لأنفسهم مدارس متعددة، كانت أهم مراكزها في الرها ونصيبين وحران، واهتموا بترجمة الكتب اليونانية بعقائدها الوثنية، وثقافتها المتشعبة إلى اللغة السريانية، بما في ذلك القانون الروماني، وعلوم الطب، والفلك، والفلسفة.
وبإزاء هذا كله، كانت بقايا اليهودية متناثرة في بعض الأماكن، بشمال الجزيرة العربية وفي داخلها بـ "يثرب"، ولهؤلاء كذلك عقائدهم وموروثاتهم الدينية.

وأما العرب فقد كان أكثرهم من البدو الرحل الذين يعيشون في الصحراء، يربطهم نظام القبيلة بأعرافه الاجتماعية، وعادته التقليدية، ويحكمهم رؤساء القبائل الذين يفصلون في الخصومات ولهم سلطة الأمر والنهي عليهم، ولم يخلُ نظام القبيلة من بعض النظم الاجتماعية التي كانت سائدة أنذاك، كنظام الأسرة في الزواج، والقصاص في القتل.
وأقام بعضهم في المدن كمكة، ويثرب، والطائف، وباشروا الزراعة، وامتهنوا بعض الصناعات، وهذا من شأنه أن يقيم قواعد للمعاملات المالية والعلاقات التجارية. وساعد على هذا أسواقهم الكبرى، واجتماعهم في الحج، واشتهرت قريش في مكة بالتجارة، وكان لها علاقة تجارية مستمرة بسوريا "الرومانية"، والعراق "الساساني"، وباليمن في رحلتي الشتاء والصيف.
ولم يكن العرب في معزل عن الثقافات المحيطة بهم، بل إن النزاع الدائم بين الفرس والروم أدى إلى استفادة كل من الجانبين بالعرب، حتى يكونوا ردءا لصد غارات البدو عليهم. فأسس الفرس إمارة الحيرة على نهر الفرات، وأمروا عليها عمرو بن عدي، كما كون الغساسنة إمارة لهم في الشام. وكان آخر ملوك الحيرة النعمان بن المنذر الخامس، زوج هند، وهو الملقب بأبي قابوس، وصاحب النابغة الذبياني، وقد غضب عليه كسرى فحبسه حتى مات حوالي سنة 602 م.
وكان آخر ملوك الغساسنة جبلة بن الأيهم سنة 614م، ولما فتح المسلمون الشام أسلم جبلة وقدم المدينة، وأحسن عمر نزله، ولكنه لطم رجلا من بني فزارة، فنابذه وطلب إلى عمر القصاص، فأخذته العزة بالإثم، فقال له عمر: لا بد أن أقيدك، فهرب إلى قيصر، ولم يزل بالقسطنطينية حتى مات سنة 20هـ.
وقد تأثر عرب الحيرة بثقافة الفرس، كما تأثر الغسانيون بثقافة اليونان والديانة الرومية، وهؤلاء وأولئك كانوا على صلة بالعرب في قلب الجزيرة العربية.
تلك هي حال العرب والعالم قبل البعثة، وهي حال يستطير شرها، ويتفاقم خطرها بما أورثته للإنسانية من استبداد وظلم وشقاء وفساد، وفي وسط هذا الجو الخانق القاتل لقيم الحياة الإنسانية ومطالبها الروحية انبعث من بطحاء مكة صوت قوي رهيب يقول: "لا إله إلا الله". كان ذلك الصوت الداوي صوت محمد صلى الله عليه وسلم الذي اختاره الله؛ ليهدي العقول الحائرة إلى نور الإيمان بالعقيدة الصحيحة، ويفتح لها مسالك العلم النافع، ويمنحها العدل الذي يحطم قيود العسف والجبروت، والحرية التي ترقى بمستوى الإنسانية، وتحفظ لها حقوقها، والمساواة التي تهب لكل فرد فرصة يستثمر فيها مواهبه لخير المجتمع وصالحه، فأنذر وبشَّر، وأعلن دعوته ربانية عالمية، تتخطى جبال الحجاز، وهضاب نجد، وسعة البحار والوهاد، وتتجاوز كل مهمه قفر؛ لتعلن على الملأ إنسانيتها، وتدعو البشرية على اختلاف أجناسها وألوانها للانضواء تحت لوائها:

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.

{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}.

فكانت رسالة الهدى والرحمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . وذلك لا يكون إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث انقطع الوحي بوفاته، فالتشريع إما أن يكون وحيا إلهيا بالمعنى واللفظ، وذلك يتمثل في القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكون وحيا إليها بالمعنى دون اللفظ، وذلك يتمثل في سنة رسول صلى الله عليه وسلم، فإن لفظ الحديث من كلامه، وإن كان معناه وحيًا؛ لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} . فالله وحده هو المشرع، ورسوله هو المبين لشرعه {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} . وقد أوجب الله طاعة رسوله؛ لأنها من طاعته {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه}4. وجعل حكمه عن إلهام منه {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} ،  فلا شرع إلا ما شرع الله أو ما شرع رسوله، ولهذا كان للتشريع الإسلامي مصدران أساسيان؛ الكتاب والسنة، وبانتهاء حياة الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى عهد التشريع.

وقد بين حديث عائشة كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الرؤيا الصالحة كانت أول أمره، ثم حبب إليه الخلاء، حتى جاءه الملك وهو يتعبد في غار حراء؛ فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتنحث فيه -وهو التعبُّد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء .

و الله الموفق لا رب سواه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق